أقلام الوسيط
سوس المحروسة… التنمية المدروسة بقلم سدي علي ماءالعينين ،فاعل مدني فبراير 2020.
- المقال (08).2020.
حدثني صديق مقرب من دهاليز صنع القرار بالجهة بحسرة عن فرصة ضائعة، أضاعها حزب العدالة والتنمية الذي تمكن من رئاسة اكبر مدن ومراكز اكادير الكبير، وما يخوله ذلك من إمكانيات التنسيق و التضامن بين الجماعات المنصوص عليها قانونا، مما كان سيمكن هذا الحزب عبر منتخبيه من وضع تصور موحد لتدبير مجال ترابي قد لا ينتمي إلى التقطيعات الترابية المعمول بها، لكن له قواسم مشتركة تجعل شؤون تدبيره متقاربة و متكاملة، ولا ادل على ذلك مطرح النفايات المشترك، و حركية النقل الحضري، التي قطعت فيها أشواط في التنسيق.
هذا الرأي الذي قد يكون في صلب نظرة إستراتيجية لتدبير المجال، كان سيجد دعمه السياسي في تسيير حزب واحد للمدن المكونة لهذا المجال، و هذا ما كان سيمكن من وضع برنامج تنموي تضامني ماليا وتكاملي برامجا،
المتأمل لمضامين الإتفاقيات الموقعة في حضرة الملك سواء في الزيارة الأخيرة و الزيارة الحالية، سيقف عند أهمية التكامل المجالي لاكادير الكبير خاصة والجهة عامة،
فبرامج التسريع الصناعي بالدراركة، و تحلية المياه بشتوكة ، و الخط السككي، و تأهيل النقل عبر خطوط تربط المطار بأيت ملول، بالميناء بأكادير، و بالمنطقة السياحية بتاغزوت، و بالموارد الفلاحية بتارودانت، كلها نابعة من نظرة شمولية لا تقف عند حدود التقطيع الإداري المعمول به حاليا، مما يفتح النقاش في أفق 2021 لإمكانية وضع تقطيع ينسجم مع هذه النظرة الشمولية بضم جماعات في نظام مجلس المدينة مثلا، أو تجميع جماعات صغيرة في جماعة كبرى،
ولأن الإقتصاد لا يبنى بالمنشآت فإن البرامج الموقعة أعطت الأولوية للعنصر البشري سواء على مستوى فتح فضاءات لتأهيله، كمدينة الإبتكار ،أو تسهيل تنقل الساكنة بين المدن عبر المدارات و القناطر مما ينسجم مع خلق تنمية تعطي لإطار العيش الكريم وزنا في هذه الرؤية الشمولية.
ولأن المنطقة فلاحية وتعرف خصاصا في ندرة المياه فإن برنامج تحلية المياه، و برنامج إحداث سدود جديدة يدخل في نفس التطلعات لخلق التكامل المنشود،
وهنا لا يجب أن نبخس الناس اعمالهم، فكل الأحزاب السياسية سواء التي سيرت هذا المجال من قبل وتوجد بالمعارضة اليوم او حزب العدالة و التنمية المسير لغالبية الجماعات اليوم، كل ممثلي هذه الأحزاب من مختلف مواقعهم اكدوا على أن الإقلاع المنشود لا يمكن أن يتم بالإعتماد على الإمكانيات المالية المحلية، وأن هناك حاجة ملحة لإستفادة الجهة من دعم الإستثمار العمومي، وهو ما استجاب له صاحب الجلالة بضخ ميزانيات وزارية إلى جانب مساهمة المؤسسات المنتخبة لإنجاز البرامج التنموية.
وليس مزايدة سياسية القول ان ما سمته جماعات ترابية ببرامج التنمية الحضرية شابته شوائب بارزة للعيان، من تخبط في أخطاء تقنية، و عدم إحترام لآجال إنجاز المشاريع، وغياب الصرامة في تتبع عمل المقاولات،
كما أن رصد بعض الإعتمادات غابت عنها مقاربة الأولويات، و تكامل البرامج وتناسقها.
و سيكون مفيدا اليوم ان تكون هذه المشاريع تحت رعاية ملكية، لأن ذلك من شأنه ان يجعل عملية الإنجاز تخضع لرقابة مركزية بعيدا عن الحسابات المحلية،
أكادير كعاصمة للجهة هي عقد متكامل بين كل المدن والقرى التي تشكل وسط المغرب، وهي بذلك بمثابة الحزام الذي يضمن التناسق بين الجنوب وباقي جهات المملكة، وحتى لا يفهم سطحيا من هذا المعنى تحول الجهة إلى قنطرة عبور فإن البرامج و المشاريع أعطت أهمية لإبراز الخصوصيات الثقافية و التاريخية للجهة ،وهو ما يعطي للمبادرة الروح و العمق الإستراتيجي الذي يرتكز على تكامل الهويات الجهوية في هوية وطنية موحدة.
لقد لعب المجتمع المدني و الفاعلين دورا كبيرا ومهما في لفت الإنتباه إلى ماتعانيه الجهة من خصاص و تدني بنيتها التحتية، ويمكن اعتبار الزيارة الملكية هي جزء من الإستجابة لهذه الدعوات وحسن الإنصات لنبض المجتمع ،
لكن سيكون من النزاهة الفكرية لفت الإنتباه إلى ضعف مسجل في تعامل هذه المشاريع و البرامج مع منطقة توحدها الجغرافيا و يفرقها التقطيع الإداري ،و يتعلق الأمر بقرى ومداشر إداوتنان الجبلية، التي تحتاج إلى قرارات عاجلة لإلحاقها بركب التنمية المعلنة بالساحل و ذلك بتقوية المسالك الطريقة، و تعميم التمدرس بالإعدادي و الثانوي، والمستوصفات، ودعم السياحة الجبلية، وحماية شجر الأركان واحتضان التعاونيات العاملة بهذا القطاع.
فلم يعد مقبولا في ظل هذه الطفرة التنموية التي أطلقها ملك البلاد ان يتواجد مشروع تاغزوت السياحي محاصرا باحزمة الفقر و البناء العشوائي بكل من تغازوت و اورير ،فهاتين الجماعتين حان الأوان بعيدا عن النعرات القبلية، و الحسابات السياسوية ان تجمع في جماعة واحدة، ونفس الأمر يسري على منطقة إموزار الخلابة كوجهة سياحية تفتقد حتى لطريق معبدة خالية من المخاطر، مع السؤال حول جدوى محاصرتها بجماعات فقيرة غير قادرة على التجاوب بميزانياتها مع انتظارات الساكنة،
وما يسري عليها يسري على إمسوان و التامري…
عندما تقلع طائرة التنمية فلابد لكل الجماعات و المناطق ان تجد لها مقعدا بالطائرة،
ولم يكن مجديا اعتماد تقطيعات انتخابية بالية حولت مثلا إقليما غنيا مثل تارودانت إلى 89 جماعة خمسة منها من بين عشر أفقر جماعات المغرب،
وسيكون ظلما مجاليا ان لا يتكلم احد على منطقة طاطا المنتمية للجهة حديثا و البعيدة عن مركز الجهة، و يبدو أنها بعيدة حتى عن حسابات مسيري الجهة، ربما لأنها ليست وسط المغرب.
إننا بطرحنا لهذه الملاحظات في آخر هذا المقال، نكون بذلك نعبر عن انتظارات مواطنين تواقين إلى بناء تنموي يقطع مع المقاربات الأمنية و العرقية، والحسابات الإنتخابوية التي ترضي نخبا تعشش بمؤسسات منتخبة تفتقد للميزانيات، والرؤية التنموية المنشودة.
فهل تعتبرون؟