مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية يعتبر إرجاء الإتفاقية موقفا سياسيا يستهدف مصداقية المركز
بيان في شأن ما جرى في دورة أكتوبر لمجلس جهة سوس ماسة
“الثقافة ليست ترفا يمكن تأجيله، ولا مجالا للتحكم؛
بل هي حاجة ملحة كالهواء والماء؛ وسند لا غنى عنه لبناء نموذج تنموي جديد متوازن”
على إثر التجاذبات التي شهدتها الدورة العادية لشهر اكتوبر 2019 لمجلس جهة سوس ماسة والتي وقع فيها بوجه خاص استهداف شق من برنامج الجهة المتعلق بدعم مخطط التنمية الثقافية، وهو الشق الموجه إلى تعزيز قدرات النسيج الجمعوي العامل في الميدان الثقافي بالجهة وتمكينه من إنجاز مشاريعه الثقافية باستقلالية عن أي ارتهان سياسي أو غيره؛ وتمكين ساكنة الجهة ولا سيما في مناطقها النائية والمنعزلة، من الولوج إلى الخدمات الثقافية، باعتبارها ضرورة حياتية وليست ترفا تكميليا قابلا للإرجاء؛ فإن مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية يعتبر أن من واجبه إصدار هذا البيان، للتعبير عن موقفه من بعض ما راج خلال مداولات المجلس وما تلاها من تفاعلات، وما أسفرت عنه الدورة بخصوص هذا الموضوع، تنويرا للرأي العام، وإشراكا لعموم الفاعلين الثقافيين بالجهة في تتبع خلفيات هذه التجاذبات ودوافعها وآثارها المحتملة على مستقبل العمل الثقافي بالجهة.
• أخذا بعين الاعتبار الأهمية التي يوليها مجلس الجهة للقطاع الثقافي، كرافعة من رافعات التنمية، وهي الأهمية التي يتقاسمها معه المركز، ويلح على تسجيلها والتنويه بها؛
• وأخذا بعين الاعتبار المواقف التي عبر عنها عدد كبير من مستشاري الجهة من مختلف الحساسيات السياسية، بصفاتهم الشخصية والتمثيلية، أغلبية ومعارضة، أثناء مناقشتهم للنقطة الثامنة عشرة من جدول أعمال الدورة، والمتعلقة بالمصادقة على اتفاقية الشراكة بين الجهة ومركز سوس ماسة للتنمية الثقافية، وشهاداتهم الإيجابية والموضوعية في حق المركز وأعضائه وتنويههم بالعمل الذي يقوم به كشريك جاد ومسؤول، واقتناعهم الراسخ بأهمية الفعل الثقافي في بناء المشروع التنموي للجهة؛
• واستشعارا منه لواجبه في تنوير الرأي العام الجهوي، ولا سيما العاملين والمناضلين في واجهات العمل الثقافي، حول بعض ما راج أثناء مداولات الدورة، مما يمس بسمعة المركز ومصداقية عمله وحسه في المسؤولية وصرامته في المحاسبة؛ خاصة وأن هذا السلوك المتهور تكرر للمرة الثانية بعد دورة يونيو الماضي؛
فإن مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية يقدم التوضيحات الآتية :
1. إن مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية مؤسسة للمجتمع المدني تشكلت من خلال التقاء إرادات عدد من الفاعلين الثقافيين المتطوعين، والذين يناضل بعضهم في هذا الحقل منذ أزيد من نصف قرن، وكذا الإرادة الحسنة لمنتخبي الجهة قبل عشر سنوات، من أجل تمكين جهة سوس ماسة درعة آنذاك من أول استراتيجية جهوية للتنمية الثقافية على الصعيد الوطني، (وما زالت لحد الآن هي الوحيدة وطنيا). وقد أسهم أعضاء المركز، حتى قبل إنشائه في كل الأعمال التحضيرية لبلورة هذه الاستراتيجية، كخبراء متطوعين واكبوا وأطروا عمل مكتب الدراسات الذي تم تكليفه من طرف الجهة في ذلك الوقت بالصياغة التقنية لهذه الاستراتيجية.
2. ومنذ أن تبنى مجلس الجهة استراتيجيته الثقافية، تطوع المركز بأعضائه للعمل بروح من الشراكة البناءة مع المجلس، من أجل مواكبة هذا المخطط التنموي الطموح، تحذوهم في ذلك ثقتهم في جدوى وصدق التوجهات التنموية لمجلس الجهة واطمئنانهم لحرصه على إنجاح مغامرة التنمية الثقافية التي تبناها. وقد ظل الرأسمال الوحيد للمركز في هذا المسعى هو الاحترام والثقة المتبادلة والتقدير الذي كان أعضاؤه يلمسونه من شريكهم الرئيسي لجدية ما يقومون به من عمل تأسيسي يلمسون أثره المباشر في الساحة الثقافية الجهوية.
3. وخلال هذا المسار، وانطلاقا من المبادئ التي نص عليها الميثاق الجهوي للتنمية الثقافية، الصادر باسم الجهة والمركز، والذي صادق عليه الفاعلون الثقافيون وكل شركاء التنمية الثقافية بالجهة منذ الملتقى الجهوي الأول للسياسات الثقافية المحلية المنعقد يومي 11 و12 أبريل 2014 بمدينة أگادير؛ ظل المركز يوجه عمله من أجل تفعيل مبادئ الميثاق وقيمه والتزاماته، مصرا على أن الثقافة رهان تنموي حاسم، وليست ترفا يمكن تأجيله كلما أحس الفاعل السياسي أن فيها ما يزعجه.
ومن هذا المنطلق كان المركز يتفهم بعض التجاذبات العابرة التي تطفو بين الفينة والأخرى أثناء النقاشات داخل المجالس المنتخبة، وهي تجاذبات كان يعتبرها مترسبة من بقايا ثقافة سياسية ظلت لعقود طويلة تنظر إلى التنمية من زاوية البناء المادي وحده، وتنظر إلى الثقافة باعتبارها شغلا لمن لا شغل له. وقد أخذ المركز على عاتقه أن يسهم في حلحلة هذا الخطاب السياسي النكوصي، مع وعيه أن ذلك يتطلب عملا طويل النفس، لكنه في الأخير كفيل بتسريع وتيرة إرساء وعي تنموي جديد يفهم التنمية في أبعادها المندمجة، ويأخذ بجد موضوع الثقافة، كدعامة من الدعائم الأربع للتنمية بجانب الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفق توصيات الأمم المتحدة.
4. وفي سياق الشراكة المثمرة التي ربطت المركز بالجهة، حرص المركز على تفعيل المبادرات وبرامج العمل التي ظل الطرفان يبلورانها في تشاور مستمر، لبلوغ الأهداف التنموية المسطرة. وقد مكن هذا التعاون من وضع عدد من الآليات من بينها الملتقى الجهوي للسياسات الثقافية المحلية، الذي هو فضاء جهوي واسع لتبادل الخبرات والتفكير المشترك لفهم تحديات التنمية الثقافية المحلية، وملامسة انتظارات الفاعلين الثقافيين والسياسيين على الصعيد الترابي، ووضع وإغناء بنك المشاريع التنموية الثقافية، ومحفل لإرساء الشراكات ومتابعة تنفيذها.
5. ويعد البرنامج الجهوي لدعم المشاريع الثقافية واحدة من أهم الآليات التي بلورها المركز واقترحها على الجهة من أجل المساهمة في تمويلها لفائدة حاملي المشاريع الجهويين، انطلاقا من منظور شمولي لمفهوم “المشروع الثقافي” ومفهوم “الدعم”. وقد وضع لهذا المشروع دفتر تحملات مفصل عرض على مجلس الجهة ونوقش باستفاضة مع اللجنة الثقافية ومكتب المجلس وتمت المصادقة عليه، باعتباره آلية شفافة وتعاقدية مع حاملي المشاريع، وصيغة منهجية لتثمين الابتكار وضمان إنجاز المشاريع وتطويرها واستدامتها في الزمان والمكان. ومن بين ركائز هذا البرنامج تكافؤ الفرص والتكافؤ المجالي بين أقاليم الجهة وبين المجالين الحضري والقروي، وتنوع المجالات الإبداعية، والوقوف في وجه تعويم مفهوم الثقافة وإغراقه في أشكال من التظاهرات لا تتجاوب مع روح المخطط التنموي الجهوي ولا تؤدي سوى إلى استنزاف المبالغ المرصودة التي يعلم الجميع محدوديتها.
وإلى جانب هذا البرنامج الطموح الذي استفاد منه ومن الصيغة التي سبقته في الدعم أزيد من 1000 مشروع ثقافي على مدى تسع سنوات في كل أرجاء الجهة في حدودها الحالية وحدودها السابقة، يهتم المركز بمتابعة عدد من مخرجات الملتقيات الجهوية الأربعة للتنمية الثقافية ولا سيما مشاريع المعالم الثقافية للجهة، والملتقى الوطني الأول للمخازن الجماعية 2014 الذي أسفر عن مشروع تثمين المشهد الثقافي لبلاد إگودار، والملتقى الأول للفن الصخري 2017، وإعداد أطالس الموارد الثقافية بالجهة، ونشر عدد من المؤلفات التي تعرف بثقافة الجهة ودعم إنجاز أنطولوجية موسيقى الروايس، وعدد من المشاريع المهيكلة في الوسط القروي. كما أن المركز يشتغل حاليا على جملة من المشاريع المهيكلة بربوع الجهة الجهة بما فيها دار أدباء سوس العالمة، ومركز تأويل التراث السكري بسوس. كما أنه ساهم في بلورة مشروع “دار الفنون” بجماعة الدشيرة. وخلال هذه السنة، انخرط المركز في برنامج جهوي واسع لدعم القراءة العمومية وفق مقاربة مهنية مجددة ومبتكرة، من خلال الإشراف عن تسيير وتأطير خزانتين نموذجيتين في كل من أگادير وأورير، وتحمل تكاليف ذلك، انخراطا منه في الرؤية الجديدة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي رسم معالمها جلالة الملك. وهذا المشروع الجديد، يشكل جزءا من الاتفاقية التي كان مقررا أن تصادق عليها دورة أكتوبر، والتي أصر فريق من الأغلبية على سحبها من جدول أعمالها، بمبررات وتلميحات مبهمة، تمس بسمعة المركز وأعضائه، من دون جميع الاتفاقيات الأخرى التي صوت عليها.
6. إن مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية هو في الآن نفسه مركز للخبرة، يضع الخبرات التي راكمها في مجال تحليل السياسات الثقافية والتخطيط الثقافي رهن إشارة كل الفاعلين في مجال التنمية الجهوية والمحلية، من منتخبين ومجتمع مدني ومبدعين ثقافيين، وفاعلين اقتصاديين، ومشتغلين بالبحث العلمي، دون مقابل، إيمانا منه بأن التنمية الحقيقية ليس بإمكانها أن تتحقق بدون تدخل مندمج ومتكامل لكل الفاعلين مهما كانت مواقع تدخلهم. ويعتبر أن إسهامه هذا كمؤسسة مواطنة هو الجواب المفحم على المزايدات التي ظلت تستهدف عمله منذ أكثر من سنة في حسابات سياسوية ضيقة لا علاقة له بها.
إن مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية، وهو يتأسف لكونه اضطر إلى الخروج عن النهج الذي سلكه حتى الآن في تعامله مع التجاذبات السياسية، يحرص في هذا البيان على تسجيل ما يلي:
أ. يعتبر المركز أن استثناء مشروع الاتفاقية التي تخص برامجه المشتركة مع الجهة، من المصادقة من دون كل الاتفاقيات التي صودق عليها، بعد أن سبق إدراجها في جدول الأعمال، موقفا سياسيا يستهدف مصداقية المركز ويضر بسمعة أعضائه، في غياب أي توضيح رسمي يفسر هذا الاستثناء أو يبرره.
ب. يرفض أعضاء المركز رفضا قاطعا أن يتم الزج بعملهم النضالي التطوعي في الحسابات السياسية، وبعيدا عن روح اتفاقية الشراكة الموقعة بين الطرفين.
ت. يعلن المركز لكل المواطنات والمواطنين، وللفاعلين الثقافيين على الخصوص، وللفاعلين السياسيين بالأخص، أن أبوابه، بل ونوافذه، مفتوحة، ولم تكن يوما مغلقة، من أجل الحصول على كل البيانات المطلوبة، التي تهم عمله ومشاريعه؛ ويخبر الرأي العام أنه كان دائما سباقا إلى تزويد مصالح الجهة بكل المعطيات التي تساعد المجلس على تتبع عمله وتقييمه. وهو فوق ذلك يخضع حساباته بشكل منهجي لقواعد المحاسبة الدقيقة وفقا للمخطط المحاسباتي الوطني تحت عهدة خبير محلف؛ ويدعو مجلس الجهة للحضور معه في كل الجموع العامة السنوية التي يعقدها، باعتباره شريكه الأساسي. ولذلك فهو يرفض أي تلميح أو تصريح يمس بنزاهة أعضائه وذمتهم وأمانتهم، ويحمل من يردد هذه التصريحات غير الموزونة مسؤولية اتهاماته الباطلة والمغرضة.
ث. يسجل المركز باعتزاز أنه الشريك الوحيد للجهة الذي عقد مع أعضاءها بصفة رسمية وغير رسمية أكبر عدد من اللقاءات والاجتماعات وجلسات العمل المطولة بلغت السنة الماضية أزيد من 25 اجتماعا خصص معظمها لبرنامج دعم المشاريع الثقافية. ويسجل باعتزاز أيضا أنه ظل دائما متمسكا باستقلال قراراته، لا يحركه في اختياراته إلا التزاماته الواضحة مع شركائه، وإصراره على التمسك بمقتضيات الشفافية والجودة وتكافؤ الفرص واحترام ضوابط دفاتر التحملات التي تربط بينه وبينهم.
ج. يقدر المركز أن هذه الدقة والوضوح في التمسك أولا بمقتضيات القانون التنظيمي للجهات، وثانيا بالمبادئ التي تتأسس عليها شراكته مع الجهة ومع كل الأطراف الأخرى، هي التي تزعج اليوم بعض من يتوقع من دعم المشاريع الثقافية غير ما يتوقعه المركز.
ح. يحيي المركز في الأخير رئاسة الجهة ومكتبها وأطرها ومصالحها الإدارية على روح التعاون والمواكبة التي ما فتئوا يتعهدون بها عمله. ويحيي المواقف الشجاعة والموضوعية التي عبرت عنها عدة أطراف من الأغلبية والمعارضة في التصدي لادعاءات بعض المستشارين أثناء انعقاد الدورة وبعدها. ويتأسف لما آلت إليه أشغال الدورة من استثناء غير مفهوم لشراكة مثمرة دامت عشر سنوات؛ وتأجيل الاستعجال الثقافي الذي ما أحوج بلدنا إلى الاستثمار فيه في الظروف الحالية.
وفي انتظار مزيد من اتضاح الرؤية حول أبعاد هذا الموقف، يواصل مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية عمله وتقييمه المعمق لعشر سنوات من نضاله الثقافي وشراكته مع الجهة، ويحيي كل أطياف المجتمع المدني والإعلام الجاد التي تتابع هذه التطورات وتسهم في توسيع النقاش حول اختيارات أصحاب القرار السياسي وتقييم هذه الاختيارات وتنوير الرأي العام الجهوي حول خلفياتها وتبعاتها.
أكادير في : 11 اكتوبر 2019
مكتب مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية