ثقافة وفن

محمد جسوس، مفكر وسوسيولوجي يلقب بأبي السوسيولوجيا في المغرب

محمد جسوس مفكر وسوسيولوجي يلقب بأبي السوسيولوجيا في المغرب، مزج بين النضال الفكري والنقابي والسياسي.

المولد والنشأة
ولد محمد جسوس عام 1938 في مدينة فاس، لأسرة أندلسية الأصل.

الدراسة والتكوين
حفظ القرآن الكريم في الكتّاب في السابعة من عمره، ثم انتقل إلى مدرسة أبناء الأعيان وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1952.

تفوقه الدراسي جعل مجلس الأساتذة يسمح له بتجاوز قسمين دون امتحان عند التحاقه بثانوية مولاي إدريس، فقضى فيها خمس سنوات بدلا من سبعة.

حصل على الباكالوريا الأولى (الثانوية العامة) عام 1956 والثانية عام 1957 بالرباط، وسافر بعدها إلى كندا للدراسة في جامعة مونتريال ثم جامعة لافال حيث حصل على شهادة “المتريز” (بكالوريوس) في موضوع “حضارة القبيلة في المغرب: نموذج سوس”.

انتقل عام 1960 إلى جامعة برنستون في الولايات المتحدة وقضى فيها ثماني سنوات متوالية، وحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1968 في موضوع “نظرية التوازن ومسألة التغيير الاجتماعي”. وانتخب خلال تلك الفترة رئيسا للطلبة الأفارقة في الجامعة.

الوظائف والمسؤوليات
أنجز بتكليف من المعهد الكندي للأنثروبولوجيا دراسة ميدانية حول قبيلة مي كمال الهندوأميركية، وعين عام 1965 أستاذا مساعدا في مركز الدراسات الدولية بالجامعة ذاتها.

عاد إلى المغرب وعمل عام 1969 أستاذا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعين عام 2004 أستاذا مدى الحياة لعلم الاجتماع في الجامعة ذاتها. كما انتخب رئيسا للجمعية المغربية لعلم الاجتماع، ورئيسا للمؤسسة الاشتراكية للأبحاث والدراسات سنة 2006.

التجربة الفكرية
ساهم في تكوين جيل من السوسيولوجيين، وإعطاء السوسيولوجيا دورا إستراتيجيا في النقد الاجتماعي، كما شارك في انفتاح الجامعات المغربية على نظريات علم الاجتماع الحديث.

ولم يكن مهموما بالألقاب والمناصب، وكان يسعى لأن يكون للفعل السياسي مرجعية فكرية تجعله عملا يخدم الإنسانية.

وقد انتقد المعرفة الغربية في علم الاجتماع، ورفض التعامل التبعي الذي يطمئن لتلك المعرفة في بعض مفاهيمها وأطروحاتها، داعيا في الوقت نفسه إلى ضرورة التمييز بين المعرفي والتاريخي، والعلمي والأيديولوجي الثقافي.

وكان يرى أن أزمة التعليم أزمة سياسية وحلها يكمن في أن يكون التعليم “أداة في خدمة المجتمع واستثمارا للأجيال الصاعدة”.

وهو يؤمن بأن التغيير ينطلق من معرفة جيدة بالواقع للوصول إلى تغيير المجتمع وإصلاحه، وحين عرض الملك الحسن الثاني على أحزاب المعارضة المشاركة في الحكومة، قال: إن “الموضوع الأساسي ليس الوصول إلى السلطة، الموضوع هو تغيير المجتمع والمساهمة في إصلاحه”.

التجربة السياسية
انخرط جسوس في سن مبكرة في خلايا حزب الاستقلال، وانتخب كاتبا عاما للشبيبة الاستقلالية (1955-1957).

سافر إلى كندا والولايات المتحدة الأميركية للدراسة، وهناك واصل نضاله في مساندة قضايا التحرر المهيمنة آنذاك سواء في الجزائر أو فلسطين أو الحرب في فيتنام وغيرها، وقدم برنامجا أسبوعيا حول قضايا العالم الثالث في إذاعة محلية في برينستون.

ولما عاد إلى المغرب دخل العمل النقابي والسياسي من بوابة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتحمل مسؤولية بالمكتب الوطني واللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي، لإيمانه بأن السوسيولوجي مطالب بالنضال السياسي والاجتماعي وفق رؤية معرفية ونقدية.

ساعده تخصصه السوسيولوجي في نهج سياسة القرب من الناس، فانتخب باسم حزب الاتحاد الاشتراكي مستشارا جماعيا بالرباط (1976-1992) ونائبا لرئيس البلدية.

المكانة العلمية لجسوس وانخراطه الاجتماعي جعلا منه قياديا بارزا في الحزب ومرجعا للاستشارة، خاصة أنه لم تغره المناصب ورفض الانتهازية والمكاسب السياسية.

بقي وفيا للاعتبارات الأخلاقية والفكرية التي دخل من أجلها المعترك السياسي، وهي المساهمة في إصلاح المجتمع وتغييره والخروج من حالة العطب التنموي والتبعية.

المؤلفات
اعتمد محمد الجسوس على الثقافة الشفاهية، وانشغل بالميدان وتعليم طلابه كيفية فهم وتحليل المجتمع المغربي وتشريح تحولاته، بطرح الأفكار ومناقشتها معهم ليحولوها إلى بحوث ورسائل جامعية ودراسات.

لم تصدر له إلا كتب قليلة بطلب وإلحاح من طلابه والمقربين منه، وهي: “رهانات الفكر السوسيولوجي في المغرب”، و”أطروحات حول المسألة الاجتماعية”، و”أطروحات حول الثقافة واللغة والتعليم”.

فضلا عن  مقالات ودراسات نشرت في جرائد ومجلات مغربية وعربية وأجنبية.

الوفاة
توفي محمد جسوس يوم 7 فبراير/شباط 2014.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى