مجتمع

استخدام المرآة بشكل معتدل يزيد من القدرة على التعامل مع الآخرين

هل النظر في المرآة لفترات طويلة وبشكل دائم يؤثّر إيجابا أم سلبا على الصحة النفسية؟ هذا السؤال الذي طرحته مجموعة من الباحثين بجامعة شيكاغو الأميركية، وحاولوا الوصول إلى إجابة علمية وعملية له، من خلال الدراسة التي أجروها، وشارك فيها عشرة أشخاص بين رجال ونساء.

واعتمدت الدراسة على إبعاد جميع المشاركين عن النظر في المرآة، وأن يعيشوا حياتهم دون المرآة نهائيا لمدة أسبوع كامل، وفي خلال أيام الأسبوع أخذ الباحثون يراقبون الأشخاص العشرة جيدا وبشكل كامل، لمعرفة تأثير التجربة عليهم، ويستطلعون آراءهم ومشاعرهم نحوها، وقد أكد جميع المشاركين في الدراسة خلال اليومين الأولين، أن المرآة جزء أساسي من حياتهم لا يمكن إنكاره أو الاستغناء عنه.

وقضت إحدى النساء المشاركات في التجربة أيامها الأولى في حجرة بأحد الفنادق، وهناك لم تستطع تجنّب التواجد في حضرة مرآة هنا أو هناك، فالفندق كان يضع الكثير من المرايا في كل مكان، وهو ما دفعها إلى الابتعاد عنه بشكل كامل، في حين أزالت مشاركة أخرى كل المرايا من منزلها، لتتجنّب النظر إليها خلال أيام التجربة، لكنها لم تستطع منع نفسها من رؤية انعكاس صورتها على زجاج النوافذ أو حتى واجهات المحال التجارية في الشوارع، وهو ما يعكس نزعة المرأة إلى ذاتها، وحاجتها الدائمة إلى رؤية مظهرها وهيئتها. ومع مرور الوقت ودخول التجربة أيامها الأخيرة، بدأ المشاركون يشعرون بالضعف والقلق والتوتر، لأنهم قضوا أياما دون أن يرى أحدهم مظهره، وكيف يبدو؟

فالرجال لا يعرفون إن كانت حلاقة اللحية قد مرّت بسلام، أم انتهت بأجزاء غير محلوقة وإصابات متنوّعة بالوجه؟ والنساء لا يتمكّن من الاطمئنان على جمالهن، واستخدام أدوات التجميل ووضع المكياج بحرفية، ووصفت إحدى المشاركات، عدم قدرتها على وضع مساحيق التجميل على وجهها في الصباح بالشيء “المرعب”، إلا أنها في الوقت نفسه لم تنكر الوقت الكبير الذي توفر لها يوميا عندما توقفت عن النظر في المرآة.

وخلصت التجربة إلى أن المرآة تجعل الإنسان أكثر أنانية وحبا للذات، خاصة مع انشغاله بها طوال الوقت، وفي كل مكان يذهب إليه، في محاولة دائمة لاكتشاف أيّ عيوب ظاهرة والعمل على إخفائها.

دون النظر إلى المرآة لا يرى المرء عيوبه الظاهرة ولن ينشغل بها ومع الوقت سيكتسب ثقة كافية بنفسه

كما أنه دون النظر إلى المرآة لن يرى المرء عيوبه المظهرية ولن ينشغل بها، ومع الوقت سيكتسب الثقة الكافية بنفسه ليواجه الآخرين، دون الاعتماد على حسن المظهر وخلوه من العيوب، والاعتماد على الشخصية والمضمون أكثر من المظهر، كذلك فإن عدم انشغال الإنسان الدائم بذاته ومظهره سيجعله ينتبه أكثر لمن حوله، ويعطيهم حقهم من الاهتمام والتقدير، ويدرك أهميتهم في حياته.

واتفق المشاركون جميعا رجالا ونساء في نهاية أسبوع التجربة، على أن الابتعاد عن النظر في المرآة لم يكن سيئا على الإطلاق، فرغم أن الأمر قد تطلّب منهم جميعا بعض الوقت والجهد لترويض النفس للتعوّد على الحياة بلا مرايا، إلا أنهم حصلوا على تأثير إيجابي، حيث زادت لديهم الثقة في النفس، وتراجعت حدة الأنانية والانشغال الدائم بالذات، هذا إلى جانب توفير الوقت الذي كانوا يقضونه أمام المرايا.

ويشير علماء النفس إلى أن النظر بشكل دائم إلى المرآة والاعتماد عليها، يجعل الشخص سطحيا ويهتم أكثر بالمظاهر، بعيدا عن التقييم الحقيقي الذي يعتمد على الشخصية ومضمونها، ناصحين بخوض هذه التجربة والابتعاد عن الاعتماد على المرآة، والعيش بشكل عادي، ومواجهة الآخرين، وممارسة كافة أنشطة الحياة.

عدم انشغال الإنسان الدائم بذاته ومظهره سيجعله ينتبه أكثر إلى من حوله، ويعطيهم حقهم من الاهتمام والتقدير

ويقول الدكتور أحمد سويلم، أستاذ علم النفس بجامعة حلوان: إن النظر في المرآة لاكتشاف المظهر وضبط الهيئة، شيء طبيعي وتصرّف إنساني يفعله الجميع، إلا أنه قد يزيد بعض الشيء لدى المرأة، وهو ما يجعله مع الاستمرار يسبّب مضاعفات نفسية، كعدم الرضا عن الذات سواء في الشكل أو المظهر، ما يسبّب تذبذب الشخصية وتراجع الثقة في النفس، وأحيانا تجعل المرآة الشخص أكثر أنانية وحبا للذات، وتسبّب حالة من التفاخر والتكبر والتعالي في التعامل مع الأصدقاء والعائلة، من منطلق الشعور بالذات الزائد، والذي تحفّزه الصورة التي تعكسها المرآة في النفس.

ويوضح الدكتور سويلم، أن استخدام المرآة بشكل معتدل يزيد من الثقة في النفس والقدرة على التعامل مع الآخرين، وفي المقابل فإن الابتعاد الكامل عنها يسبّب التوتر والقلق والاضطراب السلوكي، نتيجة عدم معرفة الشخص كيف يبدو مظهره وهيئته أمام الآخرين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى