الحكامة والتنمية الترابية
محمد التفراوتي
شهدت مدينة ورزازات مؤتمرا دوليا للواحات ونخيل التمر تحت شعار ” جميعا من أجل إستدامة وتكيف المنظومة الواحية”، نظمته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية الريفية والمياه والغابات تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس . ملتقى مكن من تدارس وتبادل التجارب حول مختلف التحديات والإشكاليات التي تتهدد الواحات ومنظوماتها البيئية الهشة استعرض الباحثون عدة عروض علمية. تناولت مختلف المحاور الموضوعاتية همت موضوع المياه في النظام الإيكولوجي بالواحات خلال الجلسة الافتتاحية، لتليها مواضيع تناولت بالدرس والتحليل ديناميات النظام الإيكولوجي للواحة. و النخيل كدعامة للنظام الإيكولوجي للواحة. وبعد التثمين الاجتماعي والاقتصادي ثم الحوكمة والتنمية المحلية
وتحدث البروفسور عبد اللطيف الخطابي أستاذ بالمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين، وباحث مشارك بالمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، خلال المحور الرابع حول ” الحوكمة والتنمية الترابية” عن بيئة الواحات واضطراباتها في التوازن وانعكاسات ذلك على خدمات النظم البيئية المحدودة، متناولا مختلف قضايا التكيف وكيفية ضمان ظروف معيشية من مختلف الزوايا، مع تناسبها للتنمية البشرية، وفي بيئة تخضع لقيود طبيعية ، بما في ذلك تغير المناخ ، وضغوط الانشطة البشرية.
وأفاد البروفسور عبد اللطيف الخطابي أن الواحات مناطق قاحلة تتميز بوجود مصادر مياه جوفية أو أنهار. إنها أنظمة بيئية فريدة توفر مجموعة متنوعة من خدمات النظم البيئية الضرورية لرفاهية الإنسان. ومع ذلك ، فإن هذه البيئات ، ذات الطبيعة الهشة ، مهددة بفعل الأنشطة البشرية ، إلى جانب تقلبات تغير المناخ التي تتجلى في حالات توالي سنوات الجفاف، وزيادة درجات الحرارة، وتنامي الظواهر المناخية المتطرفة ، وانخفاض هطول الأمطار. وتعتمد الواحات على المياه في أنشطتها ، كما أن فترات الجفاف الطويلة والمتكررة ، التي لوحظت في العقود الأخيرة ، تقلل بشكل كبير من كمية المياه المتاحة للمحاصيل والساكنة، مما أدى لاحقا إلى تدهور الغطاء النباتي، يضيف الخطابي .
وينتج عن هذه الوضعية تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على المجتمعات البشرية والنباتية والحيوانية. لذلك من المهم حماية هذه النظم البيئية الفريدة والعمل على الحفاظ عليها لضمان استدامة الخدمات التي تقدمها. ويستوجب وضع تدابير التكيف للتخفيف من آثار تغير المناخ ، وتعزيز ديناميكية الاستغلال العقلاني لهذه البيئات مع مراعاة محدوديتها وقيودها الطبيعية.
وتعتمد رفاهية الإنسان على سلع وخدمات النظم البيئية التي توفرها الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، وما إلى ذلك. كما ترتبط على الرفاه المادي والصحي ، وتتأثر هذه المكونات بالتغيرات في الخدمات التي تقدمها النظم البيئية. ويوفر الاستغلال المكثف للنظم الإيكولوجية فائدة كبرى على المدى القصير, ولكن الاستخدام المفرط وغير المستدام يمكن أن يؤدي إلى خسائر على المدى الطويل، يؤكد الخطابي. ولا تزال مستويات الفقر مرتفعة بالمناطق الواحية. فغالبية السكان تعتمد بشكل كبير على استعمال خدمات النظم البيئية. وأدت بعض التغييرات في هذه النظم ، مثل زيادة إنتاج الغذاء، وتدهور بعض الموارد الطبيعية من خلال الاستغلال المفرط. لذا وجب التفكير في سبل ضمان ظروف معيشية ملائمة للتنمية البشرية، في بيئة تخضع لقيود طبيعية، بما في ذلك تغير المناخ ، والضغوطات البشرية.ثم البحث عن كيفية ضمان توفر الموارد المائية كما ونوعا ، من أجل الحفاظ المستدام على رفاهية الإنسان وصحة النظم البيئية، فضلا عن مراعاة التنوع البيولوجي عبر المحافظة على هذا التراث الطبيعي لصالح النظم البيئية والإنسان. كما يجب السيطرة على ظاهرة زحف الرمال وتقليص تأثيره آنيا ومستقبلا على رفاهية الإنسان . إن التهديد الذي تتعرض له النظم البيئية للواحات هو من صنع الإنسان وإثر الظواهر والانشطة البشرية على حد سواء. إن التغيير في أنماط الحياة والمنافسة التي تمارسها العولمة والاتجاه نحو الاحتباس الحراري تترجم إلى هجمات متعددة على النظم البيئية ، مما يؤدي إلى حدوث أزمة تهدد استقرار السكان ،الذين يعيشون في الواحات، في الأفق.
وتتجلى أزمة الواحات هذه بالتخلي عن الممارسات الاجتماعية التقليدية والضغط السكاني على الموارد المحدودة. وأشار الخطابي في هذا الصدد على وجوب اعتماد مقاربة الاستغلال العقلاني في البيئة الفقيرة، خصوصا على مستوى الموارد الطبيعية الحية ، كما هي بيئة الواحات.
فأسلوب التحديث والمكننة المفرطة وطرق الانتاج واسع النطاق يتطلب إعادة مفهوم القيمة الانتاجية للواحات ، بما يتماشى تماما مع أقصى قيمة المضافة وحد أدنى من استعمال المواد الطبيعية.