أقلام الوسيطتربية وتكوينمجتمع

يوسف أسونا يكتب للوسيط … ماتسير إليه أسرتنا المغربية بالعولمة !

أثر الاعلام الهادف والمدروس على حركة ووعي الشعوب ، حتى أصبحت الكرة الارضية كقرية كونية تعيش تغيرات وتحولات بفعل نظام العولمة.

هذا المفهوم المتطور الذي هدف إلى تغيير منظومة القيم الثقافية والاجتماعية والعادات والتقاليد الموروثة التي تميز الشعوب عن بعضها ،وٱخترقت المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء،كما غيرت جانبا مهما لايمكن إهماله ألا وهو الأسرة
هذا المفهوم المقدس لحقت به تغيرات وتطورات أدت إلى إكسابه صبغة جديدة ذات قيم جديدة جاءت في محل القيم القديمة التقليدية التي تعرضت للذوبان بسبب صهرها من طرف آليات العولمة،هذا النمط الجديد من الأسرة يطلق عليه اسم الأسرة المعولمة .
فماهي الأسرة المعولمة ؟وماهي أوجه الاختلاف بين الأسرة القديمة والأسرة المعولمة ؟ وماتأثيرها على الكيان المجتمعي؟

يمكن تعريف الأسرة على أنها نواة المجتمع ،فهي المدرسة التي يخلقها أب وأم قررا القران والإرتباط والعيش بجانب أولادهما الذين يعتبرون شمعة تضئ حياة الأسرة في كل أنحاء المعمورة ،ولابد أن لهذا المفهوم ٱرتباطات بمفاهيم وقيم أخرى كالتربية ،المحبة والاحترام ،هذه الركائز تؤسس لمفهوم الأسرة وتضمن ٱستقرارها وٱستمراريتها ولم شملها.

ولاشك أن نظام العولمة أظهر لنا أسرة جديدة تسمى الأسرة المعولمة والتي يمكن تعريفها على أنها نمط أسري جديد ظهر بعد سيادة النموذج الغربي في العالم النامي ،لها خصائص ومميزات تميزها عن الأسرة التقليدية التي كانت تتميز بخصوصية ثقافية وٱجتماعية متفردة على عكس الأسرة المعولمة التي تتميز بالأحادية والكونية ،أحادية لأنها نموذج أسري غربي توسع إلى ماوراء البحار وأذاب الخصوصية القومية لكل الدول ،أسسه وخصائصه موحدة لاتختلف من مجتمع إلى أخر هدفها توحيد العالم في وعاء متجانس ،أما الكونية تتجلى في تعميم هذا النوع من الأسرة الذي وصل إلى كل بيوت العالم بفضل ٱمبراطوريات الإعلام والتكنولوجيا التي تجعل النموذج الغربي نموذجا يحتذى به .

التغيرات التي أتت بها الأسرة المعولمة هي تشجيع ثقافة الانعزال حيث ينعزل الإخوة عن بعضهم البعض والأباء كذلك ،كل فرد في غرفته متقوقعا على ذاته وفي النفس الوقت يدخل في ترابط تام مع العالم الافتراضي كمواقع التواصل الاجتماعي لإنجذابه نحو المواد الترفيهية وأفلام الأكشن والمغامرات وقصص الحب والعاطفة والإثارة .
كما أنها تتميز أيضا بتشجيع الاستهلاك ،كل الأفراد يستهلكون بإفراط وبدون وعي كل السلع والبضائع لأنه تربت لديهم ثقافة الاستهلاك المفرط وٱحتقار العمل اليدوي التقليدي والإدخار ،هذه القيم التي أقحمتها الرأسمالية الجشعة غايتها الربح بشتى الوسائل.
ولابد أن نشير إلى أن دور الأب قد تقلص وأصبح أكثر ميوعا وأقل وضوحا ،على سبيل المثال الأب تحول دوره من الحامي للأسرة والمدافع عنها والمربي لأولاده إلى عضو يهتم فقط بتوفير المأكل والمشرب والملبس ومواد الترفيه ،وعدم غيرته على أهل بيته والسماح لقيامهم بالعلاقات خارج إطار الزواج والمساكنة .
هكذا أصبح دور الاب مادي وملموس لاعلاقة له بالروحانيات وهذا له تأثير سلبي على حياة الأطفال إذ أنه في غياب مراقبة الأب وتتبعه ،يصبح الأطفال أكثر عرضة للانحراف وتعاطي المخدرات ..الخ أما دور الأم فيقتصر فقط على الطهي والاهتمام فقط بموضة اللباس والتجميل لأنها أصبحت تهتم بالمظاهر وكل ماتصرح به مواقع التواصل الإجتماعي ،ماهو شكلي وتزييف للواقع .
والمثير للدهشة أن المرأة أثناء ولادتها تتخلى عن حضانة أبنائها حيث تصرف مبالغ مادية على دور تربية الأطفال من أجل أن يقوموا بتربية وحضانة ٱبنها او ٱبنتها ،وهذا هو الخطير في الأمر أي أن غياب تربية الأم وحضانتها ينعكس بشكل سلبي على الطفل ،سيتم تربيته على ايادي غريبة عن أهله وستنعدم فيها تلك اللمسة الحنونة التي تضيفها الأم لأولادها ،وهذا إن دل على شئ يدل على ظاهرة الخمول الاجتماعي التي اكتسحت مجتمعاتنا مؤخرا ،فالأم لم تعد تريد ان تطبخ أو تطهي الطعام لأسرتها وتقوم بأشغال البيت، لأنها تعودت على ٱستهلاك الجاهز والمحضر فورا ، وهذه العادة السيئة نمت وتربت لدى الأم حتى سيطرت على أغلب كيانها ولاتقدر على العيش بدون الجاهز ،كما ان بعض النساء يتوجهن إلى رعاية أطفال التبني بدل الانجاب وهذه الظواهر غايتها الحقيقية ليست هي تحرر الانسان وخدمته لكن هي تفكيك لأسرة ،لأن تدمير مجتمع معين واحتواءه في وعاء معين والسير به دون ارداته والتلاعب به وفق المصالح الشخصية يكون أولا بتدمير الأسرة لأن هذه الأخيرة هي نواة المجتمع التي تشكله وتكونه وتحتويه ويحتويها.

من هنا يظهر الانحلال الاجتماعي والثقافي في المجتمعات كافة خاصة المجتمعات التقليدية التي تقلد دوما السلوك الغربي بمختلف تناقضاته وافاته على سبيل المثال نذكر آفة الزواج المدني الذي يعتبر تخريب للأواصر المجتمعية ،هذا الزواج يعتبر عقد بين شخصين يسجل لدى كاتب بالعدل أو محافظة ..الخ والخطورة فيه أنه قد يكون بين رجلين أو ٱمرأتين أو شخص مع حيوانه على سبيل المثال ٱمرأة تزوجت بقطها أو رجل تزوج بحيوانه أو ٱمرأة تزوجت بمنزل أو معلمة تاريخية ،وقد تم تمرير هذا النوع من الزواج الى المجتمع تحت ذريعة الحرية الإنسانية إلا أنها تضرب عرض الحائط كرامة المجتمع كافة.

كما ظهرت أيضا ظاهرة وضع المسنين في دور العجزة من أجل التخلص من مصاريفهم والتحرر من المسؤولية الملقاة على عاتق الأبناء تجاه أباءهم ،وهذا مايبرز بشكل دقيق جدا ظاهرة عقوق الوالدين التي أصبحت موضة في المجتمعات كافة وهذا مانهانا عنه ديننا الحنيف وتنهى عنه القيم الإنسانية إلا أن هذه الظاهرة تم تمريرها أيضا إلى المجتمع تحت ذريعة العيش الانفرادي والتحرر رغم أن وجود الأباء رفقة الأبناء مع بعضهم البعض لايلغي من حرية الأبناء ولاينقص من كرامتهم بالعكس التكفل بالأباء أثناء كبرهم هو شرف كبير لايعلوه شرف ،وهذا ماأحث عليه ديننا الإسلام في أحاديثه وآياته القرآنية .
إن أهداف الغرب من الأسرة المعولمة هو خلق كيانات تابعة لتغيير ديموغرافية العالم وتذويب الثقافات والخصوصيات وٱنصهار المجتمعات في بوثقة العولمة ،والمثير للسخرية أحيانا وللإستياء أحيانا أخرى هو أن نموذج الأسرة المعولمة هو فقط تدمير لقدوة الأسرة تحت ذريعة الحرية الإنسانية والعيش الحر ،كما سبق أن أشرت إليه أن النموذج الأسري يسعى إلى تدمير الأسرة القوية وتفكيكها من جهة وتفكيك المجتمع من جهة أخرى .

مايهمني في هذه الورقة هو الإدلاء برأيي المتواضع بخصوص بعض الهجمات التي تتعرض لها الأسرة التقليدية والتي تعتبر في نظري أفضل نموذج اسري لما تحتويه من قيم وأخلاق وفضائل وأفعال حسنة ،تشجع العيش المشترك ويلعب فيها الأب والأم دورهما الحقيقي كفاعلان أساسيان في الأسرة خاصة وفي المجتمع عامة ،ويتم تربية الأبناء على أيدي الأم والأب تربية سليمة متسمة بالأخلاق والفضائل والقيم وبالتالي فعلى المؤسسات التعليمية بمختلف مسالكها و الجهات المسؤولة والمنظمات الحكومية والغير الحكومية والجمعيات أن تعمل على تحسيس المجتمعات بهذه التغييرات الغير المحسوسة والتي يتفاعل معها المجتمع بكثرة دون الوعي بها ،كما أن تعمل على تشجيع النموذج الأسري التقليدي لأنه الوحيد الذي يتماشى مع أخلاقيات مجتمعنا وسيساعد على تنشئة أجيال صاعدة تهتم بالعلم والتعلم والابتكار والعطاء والعمل من أجل المجتمع والوطن .

بقلم : يوسف أسونا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى