سياسة تقرقيب الناب وفلسفة الخطاب المجهض
بقلم ذة: مريم زينون
لعل من علامات التحول الديموقراطي الداخلي بالمغرب إعادة ترتيب المشهد السياسي من خلال إفراز مشهد التناوب على السلطة السياسية الذي عززته نتائج الاستحقاقات الانتخابية التشريعية ليوم 8 شتنبر 2021 وإنْ كان قد عرَّض حزب العدالة والتنمية إلى انتكاسة وتراجع بعد سيطرتهم على المشهد السياسي لولايتين تشريعيتين، فهو يعتبر، أي التناوب الديموقراطي، نقطة ضوء يتطلع من خلالها المغاربة إلى واقع جديد رهانه السياسي هو بلورة استراتيجيات جديدة للارتقاء بالأفراد في كل مراتب حياتهم الاجتماعية والاقتصادية ..صحيح أن المشهد السياسي للانتخابات التشريعية قد خلص إلى تصدر الأحزاب الليبرالية للائحة التنظيم التسلسلي التشريعي، لكن ذلك ليس في واقع الأمر إلا انعكاسا لأزمة ثقة بين المواطنين وهياكل الحكومة السابقة التي عجزت عن تقديم حلول مطابقة لواقعهم خصوصا إشكالية البطالة التي عمقتها ظروف جائحة كوفيد 19 فدفعت بتفكيك الحزب الوحيد المنفرد المتزعم بقيادة المشهد السياسي وإرساء الليبرالية على أنقاضه، بل إذا كان البعض يذهب إلى أن الظرفية التي مرت بها الانتخابات هي التي قد دفعت إلى الرفع من نسبة الاحتقان الشعبي والصرامة في قرار التصويت العقابي فإن البعض الآخر ذهب إلى أن زمن الزعيم السياسي قد انتهى وحل محله زعيم الواجهة الاقتصادية بطموح الانتقال من التشريع السياسي الانعزالي إلى التشريع الأفقي نحو التغيير، من خلال استرجاع تجربة التناوب الديموقراطي بقدر يطمح إلى فتح آفاق أمام حكومة مستعدة لرفع مؤشرات مستوى تطور الشعب. قد يكون الخطاب الجديد المروج له قائم على احترام مصلحة المواطن وضمان حقوقه الدستورية لإرسال إشارة قوية بمصداقية الفوز المنسجم مع التوجه الديموقراطي للبلاد، لكن منطق السياسة يقول أنه لا قيمة لأية ديموقراطية انتخابية دون احترام إرادة المواطنين وضمان شفافية حماية حقوقهم، ما يعني أنه يمكن أن يتحول خيار التصويت العقابي إلى صالح المنتخبين إذا كانت تحكمه المصلحة الذاتية ويصدق آنذاك التخمين السائد أن التغيير يكون في تجديد الحكومات وكفى ..
وعلى ما يبدو أن التوجه الإصلاحي الذي باتت تفرضه الظرفية العالمية والوطنية للجائحة الوبائية لكوفيد 19 هو إصلاح اقتصادي أكثر مما هو سياسي ولو كان ذلك على حساب انتكاسة حزب بتوجه إسلامي فشل في تدبير مرحلة عصيبة لأن تغيير واجهة المشهد السياسي من توجه إسلامي إلى توجه ليبرالي لا يعني تغيير توابث الدولة المنصوص عليها دستوريا كما يزعم بعض المهووسين بسياسة تقرقيب الناب وبتعبير آخر في الثقافة الشعبية للمغاربة ” لا يميز بين الليف وعصا الطبال” مادام النقد أو التأويل لنتائج تشريعية قد تسمح لقيادي سياسي بتضليل الوعي السياسي للمواطن في التمييز بين معنى التوجه الإسلامي لحزب معين قد يتغير أو ينتهي بانتهاء مشروعية الحزب وبين إقرار الإسلام كدين ثابت للمملكة المغربية دستوريا .. إن التدافع في تبخيس أي تشكيل حكومي والتعبئة المسبقة لإعاقة السياق الاستراتيجي الذي انتخبت له ليدفع بالضرورة إلى تعميق التفكير في جدوى المؤسسات الحزبية إذا كانت غير منشغلة بتقدم المغرب وانبعاثه من خلال التأسيس لمواطن الغد سواء من داخل المشاركة الحكومية أو خارجها، وما الهدف من تأسيسها إن لم يكن هو الدفع بتأسيس أوراش جديدة من الإصلاحات والمشاركة في توطين الثوابت الوطنية ؟
هي خمس سنوات من التدبير السياسي قد تكون عجاف أو مثمرة حسب أي تأويل سياسي مسبق، المهم يأمل من خلالها المواطن المغربي نموذج تنموي حقيقي حامل لمخطط تنمية اقتصادية مستدامة وحماية اجتماعية شاملة من تشغيل وتعليم وصحة، بغض النظر عن خصوصيات المدبرين الحكوميين سياسيين كانوا أو رجال أعمال المهم مصداقية الخطاب ونكران الذات مما لا يسقط عنهم وطنيتهم الحقة ويسقط عنهم الحكم المتداول لفلسفة “حماية لأنفسهم وأموالهم”..