خطاب 20 غشت 2020 : خطاب الحقيقة والمسؤولية .
بأسلوب مباشر وصريح، تطرق جلالة الملك في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، للوضع الصحي بالمغرب، في ظل استمرار انتشار وباء كوفيد 19.
وكعادة جلالته، كلما توجه للشعب المغربي، فإن هذا الخطاب يعكس الحقيقة وواقع الأمر على أرض الواقع، ويضع النقط على الحروف، ويسمي الأمور بمسمياتها. كما أنه ينطوي على مجموعة من الرسائل تحمل كل واحد مسؤوليته في محاربة هذا الوباء : سلطات عمومية، ووسائل إعلام، وعائلات ومواطنين، وأرباب عمل، وفعاليات جمعوية، وغيرها.
فبعد التذكير بالنتائج الإيجابية التي حققها المغرب في مواجهة هذا الوباء، خاصة خلال المرحلة الأولى من الحجر الصحي، والتي مكنت من الحد من الانعكاسات الصحية لهذه الأزمة، ومن تخفيف تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، أكد جلالة الملك بأننا لم نكسب المعركة ضد هذا الفيروس، وأن هذه الفترة صعبة وغير مسبوقة بالنسبة للجميع.
وقد تميزت هذه الفترة عموما، بالتزام المواطنين بالتدابير الوقائية والاحترازية التي اتخذتها السلطات العمومية، وبتقديم الدعم للأسر التي فقدت مصدر رزقها، وإطلاق خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد، ومشروع كبير لتعميم التغطية الصحية لجميع المغاربة.
ورغم النتائج المحققة والجهود المبذولة، أعرب جلالة الملك عن تفاجأ الجميع بارتفاع عدد المصابين بشكل غير منطقي وغير مقبول، بعد رفع الحجر الصحي. وهو ما يبعث على الأسف.
وهنا يطرح جلالة الملك، بكل وضوح أسباب هذا الارتفاع، إذ أن هناك من يدعي بأن الوباء غير موجود قطعا (وهؤلاء ربما لا يعيشون معنا على هذه الأرض)، وهناك من يعتقد أن رفع الحجر الصحي يعني انتهاء المرض (وهؤلاء مستهترون بصحتهم وسلامة عائلاتهم والمواطنين عموما) ؛ وهناك من يتعامل بنوع من التراخي والتهاون غير المقبول مع هذه الجائحة (وهؤلاء لا يحترمون التدابير الصحية المتخذة، ويساهمون بسلوكاتهم في نشر العدوى).
وفي هذا السياق، يستغرب جلالة الملك عدم حرص العديد من المواطنين على استعمال وسائل الوقاية والتعقيم، خاصة أن الدولة قامت بجهود كبيرة لتوفير هذه المواد بجميع الأسواق، بكميات كافية وبأثمنة جد معقولة، لتكون في متناول الجميع.
ونظرا لخطورة هذه التصرفات والممارسات، فإن جلالة الملك كان صريحا وحازما حيث تكلم عن سلوك غير وطني ولا تضامني : لأن الوطنية تقتضي أولا الحرص على صحة وسلامة الآخرين، ولأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط، وإنما هو قبل كل شيء، الالتزام بعدم نشر العدوى بين الناس.
وأمام استمرار ارتفاع عدد المصابين والوفيات، يدق جلالة الملك ناقوس الخطر، حيث يؤكد بأن الوضع الصحي الذي وصلنا إليه اليوم مؤسف ولا يبعث على التفاؤل، ومن يقول غير هذه الحقيقة فهو كاذب. وهي مصطلحات تعبر عن عدم ارتياح جلالته لهذا الوضع.
كما ينبه إلى أن المستشفيات ستصبح غير قادرة على تحمل هذا الوضع، مهما كانت جهود السلطات العمومية وقطاع الصحة. وهو ما قد يدفع باللجنة العلمية المختصة بوباء كوفيد 19 لأن توصي بإعادة الحجر الصحي، بل وزيادة تشديده، علما أن انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، يدعو جلالة الملك كل القوى الحية للتعبئة واليقظة والانخراط في المجهود الوطني في مجال التوعية والتحسيس وتأطير المواطنين للتصدي لهذا الوباء.
كما يؤكد جلالته على أنه بدون الالتزام الصارم والمسؤول بالتدابير الصحية، وبدون سلوك وطني مثالي ومسؤول من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، ولا رفع تحدي محاربة هذه الجائحة.
وعندما يتكلم جلالة الملك عن سلوك وطني مثالي ومسؤول، فهو يقصد كل مكونات الشعب المغربي : المواطنون مسؤولون على حماية أنفسهم وأبنائهم وعائلاتهم، وأرباب العمل مسؤولون على توفير الحماية لمستخدميهم، ووسائل الإعلام مسؤولة على تنوير الرأي العام بخطورة هذا الوباء، وجميع الفعاليات الجمعوية مطالبة بالمساهمة في المجهود الوطني للحد من انتشار هذا الفيروس.
وعلى المعهود في جلالته من عطف وعناية بأبناء الشعب المغربي، فقد أبى جلالة الملك إلا أن يختتم خطابه بنبرة أبوية عاطفية، حيث أكد أنه لا يقصد مؤاخذة أو عتاب المغاربة على تصرفات البعض منهم، وإنما هي طريقة صريحة ومباشرة للتعبير عن تخوفه من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، والرجوع لا قدر الله، للحجر الصحي الشامل، بآثاره النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
كما يعبر جلالته عن ثقته في أن المغاربة يستطيعون رفع هذا التحدي، والسير على نهج أجدادهم في التحلي بروح الوطنية الحقة وبواجبات المواطنة الإيجابية، خاصة في هذه الظروف الصعبة.