إشكالية التلكؤ في تسديد القروض البنكية الاستثنائية المقدمة للمقاولات المتضررة في فترة الحجر الصحي.-بقلم -: .الدكتور أحمد قيلش .
تعتبر المقاولة النواة الأساسية والمحرك الفعلي لكل تنمية اقتصادية و اجتماعية و تكنولوجية.حيث تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بالدفع بعجلة الاقتصاد وذلك بإسهامها في تنشيط النسيج الاقتصادي وعبر تحسين المستوى المعيشي للفئة الشغيلة .
كما يتجلى دور المقاولة، باعتبارها المحرك الرئيسي لكل المشاريع والأوراش والمخططات الكبرى التي تدخل ضمن النسيج الاقتصادي، وتضمن عددا لا يستهان به من فرص العمل، وتشارك بشكل إيجابي في إنتاج القيمة المضافة، فضلا عن أثرها الإيجابي، باعتبارها فضاء لتشجيع روح المبادرة الذاتية، فهي بهذا المفهوم تضطلع بدور محوري وحيوي في النمو الاقتصادي وإنتاج الثروة، وتشكل العمود الأساسي لأي اقتصاد صاعد وحديث، إذ لاشك أن ما نشهده اليوم في ظل الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا المستجد وأثارها على الاقتصاد الوطني جعل العديد من المقاولات تعرف توقفا لمختلف أنشطتها وتسريح ألاف العمال إضافة إلى إشكالية سداد الديون وجمع المستحقات .
إلا أن الحكومة عملت على تخفيف عبأ المقاولة عبر صندوق الضمان المركزي المكلف بدراسة سبل إنقاذها ودعمها تجنبا للآثار السلبية التي قد تلحقها.
ولاشك أن المؤسسات المالية تعتبر المصدر الرئيسي لتمويل عمليات الإنتاج في المقاولة نظرا لضعف الموارد الخاصة لهذه الأخيرة وهي بالتالي تأخذ فوائد على ذلك وهذا ما سنتطرق اليه من خلال هذه الدراسة التي سنتناول فيها دور المؤسسات أللائتمانية في دعم المقاولة .
عملية دعم المقاولة
فضلا عن تمكين المقاولات المتضررة بشكل مباشر من تداعيات جائحة كورونا من امكانية تأجيل سداد الاستحقاقات الدورية لثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة شأنها في ذلك شأن الأجراء، فان المؤسسات البنكية وبدعم من صندوق الضمان المركزي، أتاحت للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة والتي لا يتجاوز رقم معاملاتها 200 مليون درهم والتي عرفت خزينتها تدهورا بسبب انخفاض نشاطها،إمكانية الحصول على قرض بنكي استثنائي قصد تمويل احتياجات الخزينة لتغطية المصاريف الجارية والتي لا تحتمل التأجيل أو التعليق، ويمثل مبلغ كافة المصاريف الجارية لمدة ثلاثة أشهر. هذا القرض الاستثنائي يتم استرداده في دفعة واحدة وذلك قبل 31 دجنبر 2020 كحد أقصى، وفي حالة عدم سداد قدرة المقاولة على التسديد داخل هذه المدة، يتم تقسيم الدفعات على فترة لا تتجاوز خمس سنوات. وتجدر الاشارة إلى أن هذا الخط الائتماني الاستثنائي مضمون من طرف مؤسسة صندوق الضمان المركزي من خلال الصندوق المحدث لهذا الغرض والذي أطلق عليه “صندوق أوكسجين” بنسبة %95 من أصل القرض مقابل عمولة سنوية تؤديها المقاولة المقترضة محددة في 0.1 من قيمة القرض.
تقييم العملية
ظاهريا ومن خلال الهالة الاعلامية الكبيرة التي أعطيت للقرض الاستثنائي أوكسجين، وكدا بالنظر إلى نسبة الضمان المرتفعة والمتمثلة في %95 من أصل الدين التي تعد الأعلى في تاريخ التمويل البنكي في شتى البرامج المدعومة حكوميا، فإن الأمر يوحي بأن المقاولات المتعثرة بسبب حالة الطوارئ الصحية والتدابير الاحترازية المتخذة في هذا الصدد، ستجد في متناولها آلية تمويلية كفيلة بمساعدتها على تجاوز هذه المحنة بأقل تكلفة. غير أن واقع الأمر ليس كذلك إطلاقا، حيث إن تجربة ما يقارب الشهر على إطلاق هذا البرنامج لا تفي بالقول بفعالية العملية وأن معيقات جمة تشي بفشلها في تأدية الدور الإسعافي المنوط بها، خصوصا وأن آخر الاحصائيات الرسمية تتحدث عن توقف 135 ألف مقاولة عن النشاط بشكل مؤقت وإعلان 6 آلاف مقاولة حل نشاطها بشكل نهائي بسبب تداعيات الركود الاقتصادي الكبير في ظل أزمة كورونا.
عمليا وعلى مستوى المؤسسات البنكية،نسجل تلكؤا غير مفهوم في الاستجابة لطلبات القروض الاستثنائية المقدمة من طرف المقاولات المتضررة وبالخصوص تلك الصغيرة جدا سواء المنتظمة في نظام المقاول الذاتي أو شخص طبيعي أو شركة تجارية،إذ يتم تعجيزها بمجموعة من الوثائق المحاسبية من قبيل القوائم التركيبية وبيان التدفق النقدي المستقبلي ولوائح تفصيلية للنفقات والمصاريف الدورية المراد تمويلها، و التي يتعذر على الكثير من المقاولات توفيرها في ظل اعتماد أقصى تدابير حالة الطوارئ الصحية المفروضة من قبل السلطات والتي قيدت بشكل شبه تام حركية الأشخاص والمواد،
و كذلك بالنظر إلى البنية غير المهيكلة لأغلب المقاولات المغربية و بالأخص تلك الصغيرة منهاو التي لا تتوفر في معظم الحالات على محاسبة دقيقة و منتظمة. كما أن الطريقة التي يتم بها التمويل وذلك بشكل مقطر وتدريجي حيث إنه يتم صرف مبلغ القرض الموافق عليه عبر دفعات متفرقة تشترط فيها المؤسسات البنكية وثائق أخرى جديدة غير تلك المقدمة سلفا عند تقديم ملف طلب القرض الاستثنائي أوكسجين، لا تمكن بتاتا المقاولات المتضررة من المعالجة الفورية والسريعة والفعالة لمشاكلها المالية الآنية التي لا تحتمل أي تأخير أو تأجيل إن هي أرادت المحافظة على استمراريتها وكذا استمرارية مناصب الشغل التي توفرها.
—