أقلام الوسيط

 البحث العلمي في زمن كورونا


والتعليم ما بعد كورونا

إن التعليم والبحث العلمي هما المحرك الرئيسي لكل رؤية وطنية في العالم ومدخلا أساسيا للتنمية المستدامة، كما يعتبران اليوم أولوية قصوى يجب الاهتمام بهما وجعلهم في المقدمة، وهذا لن يتأتى إلا بالاهتمام الكبير بالجامعات ومراكز البحث العلمي، وكذا الطاقات من خريجي المعاهد والكليات والاستثمار في العنصر البشري وجعله أساس كل تقدم.
فالبحث العلمي اليوم أصبح من الضروريات، ولا يعتبر من الكماليات، خاصة عند بعض الدول، فتجدها تحشد إمكانيات وميزانيات ضخمة، وتأخذ من الموارد لتمكنها من الريادة على المستوى العالمي في هذا الميدان، حيث نجد على سبيل المثال صراع محموم حول الريادة العالمية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن هذه الاخيرة أزيحت لأول مرة من المرتبة الأولى تاركة الريادة لجمهورية الصين الشعبية التي وصلت ل 528 ألف و263 بحث علمي وهندسي، مقابل 422 ألف و808 بحث.. في حين نجد الدول العربية تتأرجح في مجال الاصدارات والابتكار التي تهم البحث العلمي، إذ نجدها بين أقل من المتوسط والضعيف خاصة على مستوى الانفاق في مقياس المعايير الدولية، أما بالنسبة للمغرب فإن حجم إنفاقه على البحث العلمي إلى حوالي 0,88 % في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة حسب الهيئات الدولية تبقى ضعيفة، والنسبة الأمثل ينبغي أن تتراوح بين 1.6 % في المائة و 2%بالمائة بدرجات
كل هذه المعطيات التي أمامنا من تسابق محموم حول الريادة، والضعف على المستوى الإقليمي، إلى وضعية المغرب بين الأمم، نجد أن العديد من المشاكل تفرمل التنمية المعرفية والبحوث العلمية، حيث يبقى أهم مشكل هو الشح الشديد في الموارد المادية المرصودة لها، بالتالي تبقيها كالقطار بدون كهرباء، وبذلك تبقى تلك الابحاث جامدة تنعكس على باقي القطاعات الأخرى.

البحث العلمي.. في زمن كورونا

لقد أصبحت الحاجة ماسة للبحث العلمي في هذه الآونة مع إنتشار وباء “كورونا”، إذ لاحظنا سواء في منصات التواصل الاجتماعي، أو على شاشات التلفزيون مبادرات للابتكار من لدن شباب مبدع، عمد لتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي. هؤلاء الباحثين تمكنوا من تصميم وصنع هذه الأجهزة الخاصة بالتنفس وأجهزة أخرى تعنى بقياس الحرارة بغرض تزويد المستشفيات التي تكافح فيروس “كورونا“.
في هذا الاطار كشف الأخ مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، عبر تدوينة له على حسابه الخاص بالفيسبوك عن الإبتكار المغربي، توصل شباب مغاربة إلى صناعة جهاز تنفسي وجهاز قياس الحرارة مغربيين مائة بالمائة، حيث أكد كذلك أنه تم هذا بأمر من جلالة الملك، بغرض محاربة الوباء..
فهنا يكمن الدور الرئيسي والمحوري للبحث العلمي وانعكاسه المباشر على القطاعات. لن نعود للماضي وللبرنامج الانتخابي للحزب الأغلبي وللسنوات العجاف على مستوى التعليم العالي والبحث العلمي.. ولن ننظر للماضي القريب وقانون الاطار ولغات التدريس وحيثياتها في تدريس العلوم… لكن لننظر للمستقبل في ظل أزمة “كورونا” وتداعياتها، وكذا التحولات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الجيوسياسية، التي ستطرأ.. سنحتاج للتعليم، والبحث العلمي أيما إحتياج، وكذا للعلماء والباحثين… لكي يفكروا ويبحثوا عن سبل جديدة مبتكرة دون الإعتماد عن أحد، فالطاقات موجودة والوطن يحتاج إليهم ويريدهم، فالهدف اليوم لا للمزايدات على الوطن، وخدمته واجب والذود عليه ينبغي أن يكون بخاصية مفهومة.. فكر وأبحث وأعمل وانتج من أجل الوطن لا من أجلك.. فجميعا نستفيد.

البحث العلمي إبن التعليم

إن حديثنا اليوم عن التعليم وعلاقته بالبحث العلمي راجع للظرفية والسياق العام الذي جادت به الظروف الحالية، وهذا ما سيجعلنا نتكلم ولو قليلا عن التعليم باعتباره أساس البحث العلمي والقاعدة التي يستند عليها، فإن دعوتنا ستكون مركزة غير مشتتة، موجهة لإعادة النظر في الاستراتيجية التي يقوم عليها التعليم، وعلاقته المباشرة بمجال العلم والبحث العلمي، إذ نلاحظ مشاكل هذا الأخير تلقي بظلالها بشكل أو بآخر على مجال البحث العلمي، وتجعله مكبل وليست له القدرة على الانطلاق، فما أحوجنا أن يكون المغرب رائدا ويسمع صيته بين الأمم بالابحاث العلمية التي تسوق كل سنة على المستوى الدولي، ونكون بذلك رائدين، والريادة هنا لن تتأتى بدون إصلاح هيكلي للمنظومة التعليمية في جميع القطاعات خاصة القطاع العمومي، بتجديد كلي في المخططات الاستراتيجية مع تحيين الناجحة منها، خاصة التي لها علاقة وطيدة بين التعليم والبحث العلمي، كما يجب إعادة النظر في البنيات التحتية لكي تكون مؤهلة لاستقبال العديد من العلوم الحديثة من أجل تطويرها لتعود بالنفع على قطاعات يحتاجها الوطن.
فتداعيات كورونا صعبة على جميع الأصعدة، وهنا تبرز أهمية التعليم، لأنه هو المدخل الاساسي لمجابهة التداعيات، والباب الرئيسي لخلق دينامية إقتصادية تقوم على المعرفة، أي “الإقتصاد الذكي” الذي يعتمد على المعلومة والمعرفة والإبداع والابتكار واستخدامهم بالتوازي مع ما هو موجود الآن، إذن هنا فالتعليم مهم وأساسي لكل إقلاع من أجل الرقي بالبحث العلمي ببلادنا.
إننا اليوم في مركز التفكير الإستراتيجي نفكر ونقدر وننظر بكل إيجابية نحو المستقبل، لكي نتدارك الوضع ونهتم بالتعليم والبحث العلمي وفق مناهج وتصورات ورؤى جديدة، تطمح إلى الزيادة والاجتهاد على مستوى براءات الاختراع، من أجل ريادة على مستوى الدولي تضاهي الدول المتقدمة في هذا الطموح، ولما لا والمغرب يزخر بخيرة الأطر والكفاءات والعقول التي يلزمها الثقة والدعم، بتخطيط علمي سليم يتناسب وإبداعاتهم وكفاءاتهم، كما لا يجب نسيان دور الدولة والقطاع الخاص في هذا الجانب، بالرفع من حجم الانفاق، وخلق دينامية وطنية في هذا الاتجاه، بملائمة الخبرات والمهارات والتخصصات، وما حصل مؤخرا جراء هذا الوباء يجب اعتباره شيئا إيجابيا ومهما، وجب استغلاله للاستثمار بشكل منهجي في مراكز البحث العلمي مستقبلا، وعدم تفويت الفرصة لأن بالتعليم يتم الرقي، وبالبحث العلمي يتم الشموخ.


عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
رئيس مجموعة رؤى فيزيون الاستراتيجية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى