“التنديد الإستباقي” إبداع دبلوماسي جزائري غير مسبوق
توطئة
لن يختلف اثنان والحديث عن جزائر تبون – شنقريحة أنّ هذه الدولة حطّمت رقما قياسيّاً في استصدار بيانات التنديد والاستنكار حيناً واستدعاء سفرائها وإرجاعهم حيناً آخر.. وخلال خمس سنوات بخمس وزراء خارجية تبقى لغة هذه البيانات لا تتغير بالمرّة وتؤكد دائما على هذه النزعة الإستعلائية وخطاب الغرور بين الوعد والوعيد وقد يبدوا هذا التشابه طبيعيا جدّاً إذا عرفنا ان الموضوع واحد ووحيد هو الصحراء المغربية العقدة الأبدية للعسكر الجزائر..
لكن الغير طبيعيّ هو أن يكون الوزير عطّاف اول وزير خارجيّة في العالم يوقّع بيان التنديد الإستباقي كإبداع دبلوماسيّ غير مسبوق على الإطلاق..
وفي التفاصيل إطّلع الجميع زوال اليوم على بيان طويل صادر عن وزارة عطّاف أهمّ ماجاء فيه :
1- إن الجزائر تعرب عن استنكارها لقرار الحكومة الفرنسية الاعتراف بخطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية”.
2- “أن فرنسا أبلغت الجزائر بالقرار في الأيام القليلة الماضية.”
3- “الجزائر تؤكد أنها ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك”.
في الشّكل قد لا يعنينا الأمر كمغاربة مادام الخطاب موجّه إلى فرنسا المعنيّة أساساً بما جاء فيه من لغة التهديد خاصة الفقرة الأخيرة..ولحدّ الساعة لم يصدر تعليق بعد من وزارة الخارجية الفرنسية على هذا البيان الذي انتقل إلى تنديد واستنكار ما سيكون وليس ماكان بدليل أن فرنسا لم تصدر وإلى الآن ولا سطر واحد حول السيادة المغربية باقاليمه الجنوبية غير الجملة الواردة في الفقرة الثانية من البيان الجزائري :
(أن فرنسا أبلغت الجزائر بالقرار في الأيام القليلة الماضية)
وهنا نصل إلى قمّة العبث في هذه السابقة الدبلوماسية على شكل أسئلة إنكارية كتبادل المعلومة بين بلدين تهمّ بلداً ثالثاً..
وإذا كان الخبر صحيحا حسب البيان دائما ما دخل الجزائر حتى تخبرها فرنسا بقرارها قبل إستصداره..اللهم إذا كانت طرفا مباشرا في هذا النزاع الإقليمي وهو ما يذكّر بالشروط التفاوضية المغربية المقدمة للأمم المتحدة، والتي من بينها أن لا تفاوض إلا مع الجزائر.
لكن الأخطر ما في البيان الجزائري هو تحريف وتشويه لبعض الحقائق والوقائع التاريخية طيلة مدة هذا النزاع الإقليمي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة تتويجاً لربع قرن من حكم الملك محمد قائد الدبلوماسية المغربية..
من هذه الحقائق أن فرنسا ومنذ بداية النزاع لم تتخلّ عن المغرب داخل مجلس الأمن الدولي ومن الأوائل المؤيدة للمقترح المغربي منذ طرحه وآخرها تصريح الوزير الأول الفرنسي قبل أشهر على هامش زيارته الأخيرة للمغرب..
لذلك يحاول البيان أن يوهمنا بأن القرار له صلة بتأييد المقترح والحال أن المغرب طالب فرنسا بتغيير النظارات كي تخرج من المنطقة الرّمادية على منوال أمريكا ألمانيا إسبانيا وغيرهم كثير كما في لازمة المعلق الرياضي الجزائري..
ولأن لا دخان بدون نار كما يقال.. فالعسكر الجزائري على علم بخروج فرنسا من المنطقة الرمادية والإعتراف الصريح بمغربية الصحراء دون لف ودوران.. لأن المقترح الذاتي ما هو إلا آلية تدبيرية داخلية صرفة.. وهذا ما يخيف النظام الجزائري من المرحلة القادمة بحبان القرار الفرنسي القادم سيفتح الطريق أمام اعتراف أوسع في أوروبا، ويبدد التردد لدى بعض الدول التي ستستفيد من اعتراف الولايات المتحدة وإسبانيا وعدة دول أفريقية آسيوية.
في الخلاصة بقدر ما نحن صامدون خلف جدارنا لا نستجدي أحداً فرنسا أو غيرها بعد اللاءات الثلاث
اما الجزائر ونظامها العسكري فلسنا مسؤولين عن أمّيته وجهله إذا لم يدرك أن التوازنات الإقليمية حوله قد تغيرت، آخرها قرار الاتحاد الأفريقي الذي وضع حدا لحضور جمهورية تيندوف في الملتقيات الاقتصادية للاتحاد مع الدول الكبرى..
لقد أسدل السّتار على قصة نظام أحمق ظن نفسه في مهمّة مقدّسة..
يوسف غريب كاتب صحفي