بقلم أحمد الناموسي: قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط
رواية بامتداد إفريقي
يكتب عبد الكبير الداديسي عن مصير ثلة من المهاجرين القانطين من وطنهم محاولين الهروب من أوطان لم ترحم ضعفهم ولم تعطيهم ما يستحقون من حقوق بل أوطان تصدر الكثير من الآلام الإنسانية أوطان تستبيح كل شيء وتجعل الفرد يرغب في الهجرة بجميع الطرق نحو الحلم الوردي .
عمل الداديسي في رواية المعنونة “قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط ” والصادرة في نسخة جديدة عن مؤسسة الرحاب الحديثة بلبنان على عرض قصص إنسانية مثخنة بالمواجع الإنسانية تارة تقوم على الرمز وتارة أخرى تبرز الأمر بشكل فاضح يكشف رحلة العذاب التي يعانيها الكثير من المهاجرين من دول إفريقيا، حيث يمزح الكاتب قصص مغربية بأخرى عربية امتياز قصة ميادة السورية القادمة من لهيب الثورة وما خلفته من قتلى ومعطوبين. ومامادو الإفريقي الجنسية الذي يحلم بقيم الحرية والعدل والمساواة في الكرامة بين الجميع يحلم بالضفة الأخرى كبديل عن وطنه الذي تركه للواقع المرير .
إن العمل الروائي للكاتب الداديسي عمل يحفل بالثقافة الإفريقية، ثقافة ممتلئة بما هو أصيل وعريق،فقد توقف الكاتب عن الكثير من المواقف الإنسانية التي تظهر بامتياز ذلك التمازج والتلاقح الإفريقي العربي وامتداده رغم جبروت الصراعات السياسة وما تخلفه من مواجع على الأفراد عموما .
عمل الكاتب خلال سرده الروائي على استعمال تقنيات روائية ومن أبرزها تقنية الفلاش باك وهذا واضح عندما نقرأ الفصول المكونة للرواية فأغلب حياة ميادة عبارة عن استرجاع تحكي فيه عن حياتها المتخنة بالآلام ثم هناك مقاطع روائية تحكي فيها عن رحلتها المرعبة إلى المغرب .
تندرج رواية الكبير الداديسي ضمن أدب الهجرة السرية إنها مادة خام ووصف جلي لما يعانيه المهاجر وما يرافق رحلته إلى الهناك من مصاعب جمة ولا يخفى على كل دارس دور المبدعين المغاربة في ازدهار هذا الصنف من الأدب وخدمته عبر أتون سردي متنوع وحفر في قضايا الهجرة وما يلاقيه المهاجرين الأفارقة عموما من عنصرية وصرامة عند دخولهم الأراضي الأوربية ونذكر على سبيل المثال لا الحصر عمل عز الدين التازي الروائي المغربي والصحفي المغربي رشيد نيني في كتابة يوميات مهاجر سري على عرض قضية الهجرة وممارسة الفضح لكل ما يعانيه المهاجر العربي .
انه الحلم الخلّب بالرغم من الترسانة الجهنمية من الحواجز و العوائق ،
إنها ضفاف الأمل والمكان الوحيد لتحقيق مطالب اجتماعية جمة ترضي ولو جزءا بسيطا الذات الإنسانية.
كشف الداديسي عن ما تعانيه الذات المهاجرة وهي في الوطن الأصل فالذاكرة مثخنة بالبؤس الألم القسوة و الأحلام المجهضة ,أما الضفة الأخرى مكان للارتواء العروق بدماء جديدة تحمل قيم الحرية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية إنها ثنائية الهنا”والهناك” التي تحدث عنها الناقد عبد النبي ذاكر في كتابه” تخييل الهجرة السرية في المغرب واسبانيا نظرات متقاطعة”
تواجه رواية الداديسي خطاب الكراهية بأسلوب منفرد محب للأخر حيث تذوب الحدود والخرائط بين الدول حيث يحكي مامادو عن قصته لتبرز داخل الرواية العمق الإفريقي والثقافة المتجذرة للهوية المغربية وتحفل الرواية بأمكنة من مناطق متعددة من المغرب حيث يظهر الكاتب حدقه وتميزه في اختيار الأمكنة التي تعبر تاريخيا عند دورها في الهجرة وأصبحت الآن معروفة عند المغاربة ومن أهمها الشمال عموما فهذا الأخير مرتبط عند المغاربة كمكان له رمزية ومنه ينطلق المهاجر المغربي أو الإفريقي نحو الهناك .
يسرد الكاتب بلغة أدبية فصيحة حيث تختفي حواجز اللغة ولا يظل سوى صوت الإنسانية هو المسموع بعيدا عن الأصولية حيث وظف الكاتب لغة قوية موحية تزخر بالاستعارات وتنبش عن هوية الأشياء.