ذ.عادل بن الحبيب يكتب للوسيط … الطبقة الوسطى صمام الأمان الإجتماعي- الاقتصادي تنهار..
بقلم ذ.عادل بن الحبيب
يقول المفكر السياسي البريطاني ألكسندر كامبل”إن أهم المتطلبات لقيام ديمقراطية فاعلة في أي مجتمع هي وجود طبقة وسطى , كبيرة الحجم بما يكفي ، ومتماسكة بما يكفي , و تملك ثقة كبيرة بالنفس لاحتلال مكانة مرموقة في حياة المجتمع”
تشكل الطبقة الوسطى في أي مجتمع صمام الأمان الاجتماعي – الاقتصادي، وبتدني وضعها يفقد المجتمع توازنه، وذلك باعتبارها الطبقة الوسيطة التي تحفظ قدرا من التوازن بين مختلف الطبقات الاجتماعية، خاصة بين الفقراء والاغنياء. وتفسر أغلب الدراسات المتخصصة في هذا المجال هذا الدور المركزي للطبقة الوسطى بكونها الطبقة التي تحرك الاقتصاد بحكم أن لديها دخلا، كيفما كان مستواه، وأنها هي التي تحرك عجلة الاقتصاد عبر الإنتاج والاستهلاك معا، كما انها تعتبر بمثابة المحرك الثقافي والايديولوجي للمجتمع، لأنها هي التي تشكل الجسم الأساسي لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات والأحزاب، إلا أنها وعندما تتورط تدريجيا في الانشغال اليومي بأزمتها والبحث عن حلول لمعضلاتها الاجتماعية والاقتصادية، يتعطل انخراطها السياسي وانتاجها الثقافي ويرتبك لكونها استنزفت في معارك تعزيز وضعها الاجتماعي – الاقتصادي مخافة من السقوط المدوي، وهو ما يفسح المجال واسعا للقوى المهمشة التي سريعا ما يمكن جرها الى الفوضى والعنف، خصوصا انه ليس لديها ما تخسره، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى انحسار العقلانية وتراجع الاخلاق في العمل السياسي المنظم. إن للطبقة الوسطى أدوارا متعددة الأبعاد تتمثل في تحقيق التوازن الاجتماعي وتحريك الاقتصاد وعجلة التنمية، والحفاظ على استقرار الأنظمة السياسية، فقوة الوساطة التي تلعبها ما بين المجتمع والدولة يسمح لها بالتأثير على اتجاهات الرأي العام ،وبالتالي حينما تكون هذه الطبقة في موقع قوة فإن دورها يكون إيجابيا، بمعنى أن دورها هنا ينعكس إيجابيا على مستوى استقرار النظام السياسي الاجتماعي والاقتصادي والعكس صحيح، أي حينما تضعف هذه الوساطة فإنه ينعكس على مستوى طبيعة التجانس والتماسك المجتمعي والسياسي بشكل قد يهدد استقرار هذا النظام السياسي، ولذلك فإن تآكل الطبقة الوسطى، وتراجع مكانتها في المجتمع، ينبئ بوقوع خلل في التوازن والاستقرار الاجتماعيين، على اعتبار أن هذه الطبقة هي صمام الأمان والاستقرار، فكلما كبر حجمها تحقق الاستقرار الاجتماعي المنشود والعكس صحيح ، حيث تشير الوقائع إلى أن اغلب البلدان العربية بصدد فقد عمودها الفقري نتيجة عدم التوازن الاجتماعي بين الفقراء والأغنياء وازدياد مظاهر البطالة والفقر والتهميش في ظل السياسات الاقتصادية نيو ليبرالية. ومن المؤكد أن تراجع مكانة هذه الطبقة له آثار سيئة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وعلى مسيرة التنمية وعلى الاستقرار الاجتماعي للدولة,لأن الطبقة الوسطى هي الأكثر عقلانية وموضوعية بين طبقات المجتمع، فهي أكثر شعورا وحماسا لتطبيق المساواة، والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الطبقات والفئات الشعبية الأخرى، وحرية التعبير، والصحافة، والحق في النقد، أي أكثر شعورا بالمسؤولية تجاه بناء مجتمع مستقر مزدهر,كما أنها تتحلى بالطموح والرغبة في تحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي ولذلك تخاطر بما امتلكته من أصول واستثمارات بهدف الحصول على المزيد والارتقاء إلى درجة أعلى في السلم الاجتماعي .
في المغرب هناك معايير مختلفة ومتعددة لتحديد من يمكن تصنيفهم في خانة الطبقة المتوسطة،ويمكن الحديث عن نموذجين في هذا الصدد، أحدهما اعتمدته المندوبية السامية للتخطيط قبل نحو 10 سنوات، وهو معيار “متوسط النفقات” والذي أدى، إلى نتيجة غريبة مفادها أن الطبقة الوسطى في المغرب تمثل نحو 54 في المئة من مجموع السكان .
النموذج الثاني، يتعلق بمعيار اعتمده البنك الدولي في تقرير أصدره سنة 2017، والذي استند إلى حساب أكثر براغماتية ،تم على أساسه احتساب المتطلبات الأساسية لأسرة مغربية، من أكل وشرب وسكن وتعليم وتطبيب وتنقل، وتم الاشتغال على أساس فرضيتين كل منهما تنطلق من متوسط دخل معين، وهي العملية التي أفضت، الى ان الطبقة المتوسطة في المغرب تتراوح بين بين 15 في المئة و25 في المئة.
و بالنظر إلى الفرق الكبير بين النسب التي أشار إليها البنك الدولي والتي سبق و أشارت اليها المندوبية السامية للتخطيط حول حجم الطبقة الوسطى، يطرح سؤال، هل هذه الطبقة موجودة؟ وما هي النسبة التي تمثلها في المجتمع؟و ماهو دورها داخل المجتمع؟و ماهي الآثار السلبية الناجمة عن انقراض هذه الطبقة ؟
الأكيد على أن الطبقة المتوسطة في المغرب أصبحت محدودة بل وتتقلص،لأن المغرب لم يعرف السيناريو الذي عرفته بعض البلدان المتقدمة حيث واكب تطور الاقتصاد توسع الطبقة المتوسطة ،نحن في مسار معاكس.
وما يؤكد ذلك هو التدهور الواضح للقدرة الشرائية للأسر المغربية، وهو الأمر الذي يظهر بوضوح عند قياس تطور الأجور في مقابل تطور الأسعار. فالطبقة الوسطى تسير نحو الانقراض، بدليل أنها صارت تقتني السكن الاقتصادي، لأنها لم تعد تتحمل تكاليف السكن المتوسط الذي كان في متناول فئة أوسع من السكان ، لأنها غرقت في الكلفة الاجتماعية وبالكاد تغطي النفقات الأساسية من تعليم و صحة وكراء و أقساط شراء السكن وغيرها. فبدل النهوض بالطبقة الدنيا، انضمت إليها الطبقة المتوسطة وتوسعت قاعدتها في مقابل تقلص كبير للطبقة الوسطى التي أصبحت بالكاد توفر حاجياتها الضرورية و لم تعد قادرة على الإدخار و السفر … و غيرها.
هذه الفئة تعرضت للتهميش من خلال نظام ضريبي غير عادل، ومن تدني نوعية الخدمات المقدمة إليها، سواء في التعليم أو الصحة، خصوصا أن هذه الفئة معروف عنها أنها متشبثة بتطوير وتحسين الخدمات المقدمة في التعليم والصحة والشغل والرعاية الاجتماعية.
كما عانت من عدم استفادتها من النمو ومن تحسين وضعها الاجتماعي، وبالتالي لا بد من تعويض هذه الطبقة عن السلبيات الناتجة عن الأعطاب التي عرفها عمل المصعد الاجتماعي، الذي بدل أن يشتغل فقط من الأسفل الى الأعلى، اشتغل كذلك في الاتجاه المعاكس، أي من الأعلى إلى الأسفل.
يجب العمل على تغيير أوضاع الطبقة الوسطى، سواء فيما يخص الآفاق التي ستفتح أمامها، من خلال النموذج التنموي الجديد، أو من خلال مكانتها في مغرب المستقبل، عبر العمل على فتح المجال أمامها على مستوى مراكز القرار، سواء داخل الدولة أو في المؤسسات العمومية أو الجهات، وكذلك على مستوى استفادتها من عائدات النمو.
كما على الدولة حل الاشكالات المرتبطة بجودة التعليم , الصحة و السكن لأن جزء كبير من مصاريف هذه الطبقة تستنزفها المستشفيات و المدارس الخاصة و القروض خاصة قروض السكن,الى جانب الحد من غلاء الاسعار و رفع اجور هذه الطبقة و تخفيض ضرائبها ،بالاضافة الى حل اشكالية التوظيف لتخفيض نسبة البطالة بالمغرب.
إن انقراض الطبقة الوسطى لا ينتج عنه كلفة اقتصادية فقط بل أيضا كلفة اجتماعية تهدد استقرار المجتمع و أمنه.
مقال يستحق القراءة
دام التألق و البهاء