الخطاب السياسي للأحزاب المغربية
عزالدين شملال*
تتميز الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية بقوة خطابها السياسي المعتمد على وضوح برامجها الجدية و مصداقية و شرعية قادتها، حيث تمارس داخلها ديمقراطية حقيقية تعكسها انتخابات نزيهة و شفافة يتداول من خلالها أطر ذوو كفاءات علمية و سياسية على قيادة الحزب و المضي به نحو منافسة حقيقية مع باقي الأحزاب للوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه أو التأثير على صناعة القرار السياسي من داخل معارضة قوية شغلها الشاغل صيانة الملك العام و تقويم الأداء الحكومي .
لذلك نجد المواطن الغربي في هذه الديمقراطيات يستميله قوة الخطاب السياسي لهذه الأحزاب فيصوت على أقوى البرامج التي تحقق امتيازات واسعة للمجتمع، و تضمن كافة حقوق و حريات الفرد داخل هذه الدول .
لقد استطاعت الأحزاب السياسية في المجتمعات الغربية أن تكون رافعة حقيقة نحو تحقيق التطور و الحضارة و الرقي، و بالتالي التموقع ضمن الدول التي توفر لشعوبها الرغد و العيش الكريم .
عكس الأحزاب السياسية في الوطن العربي التي لعبت دورا مهما في تكريس الظلم و الإستبداد و ساهمت بشكل كبير في تفقير و تجهيل المواطنين، و الدفع بالمجتمعات العربية إلى احتلال مراتب متدنية في سلم التنمية، حيث كان دورها الاساسي هوإ عطاء الشرعية للنظام و بالتالي استفادة قادتها بمختلف الإمتيازات التي كانوا يحصلون عليها من طرف الحكام .
وفي المغرب، و رغم أن الأحزاب السياسية كان لها الدور البالغ في مقاومة الإستعمار و النضال من أجل تحقيق الإستقلال، إلا أن دخولها بعد ذلك في صراع مع بعضها ومع المؤسسة الملكية من أجل الهيمنة على المشهد السياسي المغربي جعل منها مجرد أحزاب براغماتية لا يهمها إلا مصلحة قادتها الشخصية، حيث أنه و بمجرد حسم المؤسسة الملكية هذا الصراع لمصلحتها إلا و التفت أغلب الأحزاب حولها لتنال حظها من كعكة حكومة صاحب الجلالة، فنتج عن ذلك مشهد حزبي مغربي هش، و خطاب سياسي ضعيف لم يستطع إقناع حتى منخرطي الحزب المعدودين على أصابع اليد، ولا نكاد نسمع عن الأحزاب المغربية التي تجاوزت الثلاثين إلا بحلول موعد الإنتخابات حيث تفتح دكاكينها لتسويق الوهم للمغاربة معتمدة على برامج يشترك فيها جميع الأحزاب و تغيب فيها بصمة الإيديولوجيا الحزبية ليتساوى اليمين و اليسار و الوسط في مسرحية مملة تتكرر في كل الإنتخابات .
واستبشر المغاربة خيرا بإعلان الملك في خطاب التاسع من مارس عن تغييرات واسعة داخل الوثيقة الدستورية تلعب فيه الأحزاب السياسية دورا مفصليا في تمثيل و تأطير المواطنين عبر أطر علمية و كفاءات سياسية قادرة على تحريك هذا الركود السياسي الذي يعاني منه المغرب منذ الإستقلال، و ببرامج حقيقية قادرة على إخراج المغرب من أزماته وحل مشاكله الإقتصادية و الإجتماعية .
بيد أن شعور الخيبة المتنامي والمتولد عن تبدد آمال الإنفتاح الديمقراطي سيفقد هذا المسلسل معناه، لينضاف إلى سلسلة التجارب السابقة التي ألفها المغاربة المقتصرة على إجراء بعض التغييرات الطفيفة هنا و هناك ضمن عملية تجميل لا تمس العمق، فمن خلال الحملة الإنتخابية التي سبقت اقتراع 25 نونبر 2011 يتبين لنا أننا نعيش السيناريو نفسه القائم على نفس الخطاب السياسي المهترء مع وجوه مكرورة، نرى فيها زعماء الأحزاب و النقابات التقليدية يتصدرون اللوائح الإنتخابية ناسفين كل أمل في التغيير الجدي وفي خلق مشهد سياسي فاعل .
وهذا ما أجج الشباب المغربي و جعله يخرج إلى الشارع أياما قليلة قبل الإقتراع معلنا رفضه لإستمرار الوضع و إبقاء الحال على ما هو عليه .
* باحث في الدراسات الدستورية و السياسية