مجتمع

قوارب الموت… عبور لحلم وهمي

يسعى الإنسان للعيش الكريم، ولأجل تحقيق أهدافه وأمنياته. و يرسم لآماله الكثيرة الطريق الذي قد ينقلها إلى الواقع، يضع لطموحاته الكبيرة سقفا كي لا يضطر لتخلي عنها الواحد تلو الآخر.  لكن ظروف الحياة ترهقه فيكتشف مع مرور الأيام أن الحياة الكريمة في بلاده ما هي إلا حلم وردي لن يتحقق، يصارع لأجل النجاة… لكن لا مفر من قيود يفرضها الواقع عليه…

ظروف العيش في بلدان العالم الثالث طبعها الفقر، والشعوب المقهورة تتخبط لأجل أن تستمر في الحياة  على أمل أن تتغير الأوضاع في وقت قريب.

بلاد الحلم 

سلسلة طويلة  من المعاناة عاشتها الأجيال على مر السنوات، مجتمعات عرفت العوز وألفته، وشباب خبر العلم ولازال عاجزا عن إيجاد وظائف تدر عليهم دخلا، ومرضى لم توفر لهم سبل راحة هم  في مسيس الحاجة إليها، و الكثير من الحالات التي  لا تحتاج من ينظر إليها بعين الرحمة فحسب بل من يبذل الجهد في سبيل واقع أفضل.

في ظل هذه الظروف يظن الكثيرون بأن الهجرة غير الشرعية إلى بلاد الحلم هي حقهم المشروع وهي الحل الوحيد لتحسين أوضاعهم، يراهنون على تحقيق المستحيل، فأوطانهم لم تهبهم  سوى اليأس والإحباط، وظروفهم الصعبة حولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، فأمسوا يفضلون الانتقال إلى عالم آخر على أن يضلوا في بلدانهم أمواتا على قيد الحياة.  يختارون الفراق ويمنون أنفسهم باللقاء في ظروف أحسن.

هل من سبيل للنجاة؟

إن الحياة في وطن عاجز عن توفير ظروف ملائمة للعيش لم يعد خيارا بالنسبة للكثيرين، فعجلة الزمن تدور ولا تتوقف و لا مجال لديهم لإهدار مزيد من الوقت في الانتظار والتمني.

هم عشرات الأجساد المكومة في قوارب لا تعترف باحتياطات السلامة في عرض البحر، وقلوب تخفق بشدة خوفا وأملا، وعيون تائهة لا تميز في العتمة سوى الفراغ الذي  يحيط بها.

يدركون جيدا بأن قارب الموت إن لم يقذف بهم إلى الأمواج العاتية فهو عاجز عن إيصالهم إلى بر الأمان. فالبلاد الماضون إليها بجراحهم وبقايا آمالهم لن تحرص على استقبالهم مع ذلك هم على يقين بأن الظروف في وجهتهم مهما كانت قاسية ستكون أرحم من وطنهم الأم.

العبور إلى الحلم مجرد وهم:

يرسم المهاجرون لحياتهم صورة مطابقة لتلك التي أخبرهم عنها من سبقوهم لرحلة الموت وكتبت لهم معجزة النجاة، فعادوا إلى أوطانهم بعد حين معززين مكرمين أو هم يدعون ذلك انتقاما من غربة موحشة ومن وطن أجبرهم على رحلة لا تحمد عقباها.

يعلم المهاجرون خلسة في جنح الليل بأن العالم الآخر  هو مجرد سراب:

فهل فكروا حقا في ظل هذه الظروف أنه يوجد سبيل للعبور إلى أحلامهم؟

وهل ظنوا للحظة بأن قاربا اقترن اسمه بالموت قد يحقق لهم النجاة؟

أم هو اليأس من جعلهم يقدمون على خطوة يدركون جيدا أن الاحتمال الأكبر هو أن تؤدي بهم إلى الهلاك؟

ثم من أوصلهم إلى حافة اليأس ورمى بهم إلى الهاوية غير آبه بمصيرهم؟

أهو المجتمع الذي لا يعترف بأبنائه ماداموا لم يستطيعوا إيجاد مكانة لائقة لهم؟

أم هو إحساسهم بأنهم عالة على ذويهم وأسرهم؟

لعل لسان حالهم يردد: تتعدد الأسباب والهدف واحد، فإن لم يتحقق فالموت أرحم من العودة لبقعة أرض ضاقت على أبنائها.

فقير في بلاده غريب في بلاد الآخرين:

يقامر المهاجر السري بحياته التي يعدها بائسة، يخضع للتحدي الأكبر، فإما موت محقق أو عبور يضمن له الخروج من شرنقة الفقر. فيهرب من الفقر إلى غربة باردة كالصقيع، يبحث عن سبيل يمكنه من الانصهار في مجتمع قد يرفضه لكنه سيمكنه من مورد رزق يعيله و يعينه على مشقات الحياة و يغنيه عن سؤال البشر.

الهجرة السرية هي ظاهرة تحتاج الدراسة بقدر ما تحتاج تقديم الحلول والحفاظ على أرواح تقدم على موت محتم.

إن إجتثاث هذه الظاهرة مرهون بتطور المجتمع وبتوفير العيش الكريم لأفراده، والإستثمار في الطاقات البشرية، والسعي الحثيث لتقديم بديل عن مغادرة الوطن إلى المجهول .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى