أقلام الوسيط

الإعلام ومعالجة قضايا التنمية الحلقة الأولى: بقلم عبد السلام الزروالي الحايكي (متخصص في شؤون الإعلام والاتصال )

 

أكد الكثيرون من علماء الاجتماع أن التنمية تتمثل في إيقاظ الوعي و أن مجتمعا ما يتطور إذا نما أفراده الذين تتألف منهم قدراته الحقيقية، ولقد أدلى الإعلاميون العرب بدلوهم في هذا السبيل، فقد لعبوا دورا مزدوجا كرجال اتصال وكمجددين للأفكار من أجل إصلاح المجتمع، وبالنسبة للتحديثيين القوميين فإن الصحافة تمثل أمرا ضروريا للتنوير العام وللعمل السياسي ولذلك فإنه يوجد في البدايات الأولى لعملية التحديث رباط وثيق بين الإصلاح السياسي والاجتماعي والصحافة، فالأفراد ذوو الأفكار الجديدة قد أنشأوا الصحافة للتعبير عن آرائهم محاولين عن طريقها أن يكسبوا تأييدا عاما وأن يوضحوا أفكارهم، و قد ساعدت وسائل الإعلام العديدة على انتشار الأفكار الجديدة الخاصة بالمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وحق الحياة الكريمة لكل فرد في المجتمع، وغيرها من الأفكار التي يترتب عليها ثورة في النفوس عن طريق المقارنة بين وضع الفرد أو الجماعة ووضع الآخرين الذين يعيشون عيشة أفضل، وبذلك فإنها تهيء المناخ لتغيير تلك الأوضاع التي لا تحظى بالرضا العام.

معوقات الإعلام العربي :

لقد واجه الإعلام العربي العديد من المعوقات التي تعتبر محصلة لعديد من العوامل الذاتية والاجتماعية والتاريخية والتي يمكن إيضاحها على النحو التالي :

1-معوقات ذاتية : يقصد بالمعوقات الذاتية تلك التي ترجع إلى رجال الإعلام أنفسهم والتي تمثلت بصفة أساسية في افتقار الكثيرين منهم نسبيا إلى مستلزمات المهنة الإعلامية، حيث افتقروا إلى وسيلة المهنة وهي التخصص الإعلامي، كما افتقروا إلى إدراك هدف المهنة وهي أنها رسالة أكثر منها وظيفة وتجارة.

• ندرة المتخصصين الإعلاميين : لقد اتسم الكثيرون من الإعلاميين العرب بضيق الثقافة، فالمسؤولون عن الصحافة، على سبيل المثال، والتي تعد من أهم وسائل الإعلام، لايتمتعون بالمؤهل العلمي والإعلامي المطلوب وكأن الإعلام باب للتجارة والوجاهة الاجتماعية وقد ترتب على ذلك العديد من النتائج، فقد فشل رجال الإعلام في الوصول إلى الجماهير بسبب الشكل الذي أخذته أفكارهم حيث لعبت البلاغة الأدبية دورا كبيرا في الكلمة المرسلة إلى الجماهير، إلى حد أن المعنى قد أخذ مرتبة ثانية، ومن جهة أخرى فقد اتجه رجال الإعلام من المصلحين إلى صياغة أفكارهم في إطار مرجعي فلسفي وعام أكثر منه إطار متخصص وعملي، وعلى الرغم من أن الكتاب كانوا يبدون ذوي تفكير وتقنية حديثين فإنهم لم يتمكنوا من عزل أنفسهم عن تنشئتهم التقليدية، وقد تمثلت النتائج التي نجمت عن ذلك في ظهور أعمال أدبية بدلا من ظهور مخطوطات تعمل على حفز المجتمع على العمل والحركة، وقد لبى الكتاب دعوة المجتمع الأدبية كأنشط ما يكون صاحب المتجر الذي يعرض في محله ألف صنف وصنف، ومن هنا صعب على أي من هؤلاء الكتاب أن يكون صاحب مذهب واضح المعالم في الحياة والأدب، وأخيرا فقد كان هناك تركز غير ملائم على اللهو والتسلية وعرض الأحاديث والندوات ممن قد لا يكونون مؤهلين لذلك.

• الافتقار إلى الأصالة: إن الكثيرين من الإعلاميين العرب قد تشبعوا بالفكر الغربي ونظروا إلى الغرب على أنه المثل الأعلى، وتسرب إليهم العجز النفسي، وانصرفوا عن تراث الأمة العربية، ففقد فكرهم فاعليته المطلوبة في دفع التنمية العربية لأنه يعد فكرا غريبا على طبيعة مشاكل المنطقة ومتطلبات تنميتها.

• افتقاد الصبغة المؤسسية: لقد افتقدت أكثر وسائل الإعلام شخصيتها الاعتبارية المستقلة. فالمجلات الثقافية، على سبيل المثال، لم تكن تمثل في كثير من الأحيان تيارات كاملة، بقدر ما كانت تمثل أشخاصا، وهكذا كانت المجلة عندئذ متمركزة حول شخصية كبرى، ولم تكن تمثل مؤسسة بالمعنى الإجتماعي للكلمة، وبصفة عامة فقد كان العمل الصحفي المدافع يمثل القاعدة، فقد بدأت عملها كمتحدث شخصي باسم الأحزاب السياسية ورجال السياسة، وقد تمثلت الوظيفة الأساسية لهذه الصحف في نشر وجهة نظر ما لها أو لحزبها السياسي أكثر من قيامها بنشر المعلومات والمعارف.

• المشايعة السياسية : ينشغل الكثير من الكتاب بالنشاطات السياسية، ويميلون إلى أن يهملوا المساهمات الثقافية التي يستطيعون القيام بها تجاه المجتمع.

• فقدان جوهر المهنة: في حقيقة الأمر أنه ليست الثقافة وحدها من ضرورات رجل الإعلام، ولكنه يجب أن يشعر أن له رسالة يؤديها، وليس مجرد موظف يتقاضى أجرا، ولكن الأمر الذي يدعو للأسى أنه يندس بين أجهزة الإعلام دعاة التخريب الفكري وهدم المثل والسخرية باللغة العربية والتراث العربي.

2-معوقات إجتماعية : يقصد بالمعوقات الإجتماعية تلك المتعلقة بالبيئة المحيطة برجال الإعلام سواء أكان ذلك يتعلق بجماهير الشعب أو بالنظام السياسي القائم وقد تمثلت تلك المعوقات فيمايلي :

• افتقاد مناخ الحرية : إن رجال الإعلام كثيرا ما تعوق حركتهم القوانين التي تحد من قدرتهم وحريتهم، الأمر الذي يتضح بدرجة أكبر من خلال مقارنة حقيقة الممارسة في النظم الديمقراطية الراسخة، فالإعلامي العربي وضع في حدود ضيقة من العمل وحرم من حرية الرأي، فأخذ يخاف ويكتفي بالجاهز المعد.

• نقص التخطيط : لقد بذلت وسائل الإعلام العربية محاولات في سبيل دفع التطور الحضاري إلا أن مثل هذه المحاولات لم تؤت بثمارها المرجوة لأنها كانت تفتقر إلى الجدية وإلى التخطيط العلمي.

• ظروف الأمية : أدى وجود نسبة كبيرة من الأمية إلى إضعاف تأثير وسائل الإعلام فإن تأثير الصحف مثلا مقصور على قطاع صغير من سكان المدن، فمعظم الدول العربية يفتقر إلى جمهور مثقف خارج نطاق الجامعات والإدارة المدنية العليا والمهن الصحفية والإذاعية بالإضافة إلى أن هذه الفئات تعتبر صغيرة الحجم إلى حد أنها لا تخلق اختلافا وتنوعا ثقافيين كاملين، ونادرا ما وجد الباعث على قيام بيئة ثقافية متنوعة، وبهذا الصدد فإن المجلات الثقافية الرائدة كان هدفها الأكبر هو تقديم ثقافة عامة إلى القراء الذين لم يكونوا قد وصلوا إلى مستوى الخوض في المسائل الأخلاقية.

• نقص شبكات الاتصال : فشبكات الاتصال في الدول النامية بصفة عامة تتطور على نحو هزيل إلى حد أنه أيا كان صغر حجم الإنتاج الثقافي فليست هناك قنوات داخلية يمكن أن ينقل من خلالها هذا الإنتاج، فالمتاحف والمكتبات ودور النشر والدوريات والصحف وفرص الإجتماع على نطاق واسع مع رفاق المرء في نفس ميدانه أو الميادين القريبة، وذلك من خلال مطبوعاتهم أو من خلال اللقاءات المباشرة تعتبر أمورا نادرة وغير ميسرة في هذه الدول.

3-معوقات تاريخية : لقد ظل العالم العربي بالتالي الإعلام العربي، وحتى فترة متأخرة مشغولا بقضية تحقيق الاستقلال الوطني، وكان هدف الاستقلال الوطني واضحا لا يحتاج إلى تنظير أو تحليل ومن هنا لم تكن مشكلة التنمية مطروحة أمام العقل العربي الذي كان كل شيء يبدو أمامه مرجأ، وربما ضئيل الأهمية أمام هدف الاستقلال والتحرر الوطني.

أما الإعلام فنقترح له تعريفا مبسطا يقول إنه الإخبار الموضوعي بالحوادث والمعلومات ونشرها على نطاق واسع من الجماهير بغرض الإخبار أو التثقيف أو التعليم والتنشئة أو لهذه الأغراض مجتمعة.

والفراغ الإعلامي في بلد ما يعني وجود فجوة من عدم الثقة وعدم الإقبال من جانب الشعب على النظام الإعلامي السائد وأجهزته، مما يجعل هذا الشعب أو تلك الجماهير تعتمد على مصادر الإعلام الأجنبية في استقاء الأخبار والمعلومات. وقد يعني الفراغ الإعلامي –في جانب من جوانبه- قصور أجهزة الإعلام فنيا وبشريا عن آداء مهمتها – لسبب أو لآخر- مما يؤدي بالجماهير إلى الاعتماد على الإعلام الوافد من الخارج مثل الإذاعات الموجهة والصحافة الأجنبية بدلا من تلك التي تتبع النظام الحاكم أو تصدر تحت رقابته وبتأييد منه و من سلطته.

والعلاقة بين ثقافة وإعلام وفكر أي مجتمع لا يمكن إغفالها. فالإعلام يمثل رافدا هاما لإمداد نهر الثقافة بالأخبار والمعلومات. وفي الوقت ذاته لا غنى للإعلام عن الثقافة والفكر. فالإعلام يستمد من الثقافة حاجته من المعلومات والحقائق والموضوعات ليقوم بتشكيلها وصياغتها –في فيلم أو مقال أو برنامج إذاعي أو كتاب أو مجلة… إلخ- ونشر على نطاق واسع عبر أجهزته المتعددة من مقروءة ومسموعة ومرئية ومسموعة- مرئية، فالإعلام إذن مرآة للثقافة كما أنه رافد من روافدها ويعتمد عليها في الوقت نفسه. فكلاهما يعتمد على الآخر ويستفيد منه. وعلى هذا فإن وظائف أجهزة الثقافة تتكامل مع وظائف أجهزة الإعلام. وكثيرا ما تتردد عبارة أجهزة الإعلام والثقافة للدلالة على أي منهما.

موضوع هذه الدراسة المكاني هو الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. وموضوعها الزماني ما يعيشه هذا الوطن –بدوله الكثيرة- الآن من فراغ ثقافي وإعلامي لا تخفى مظاهره وأسبابه على المباحث المدقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى