الحقوق والحريات بالمغرب : الثابت والمتغير في ظل جائحة كورونا كوفيد19
بقلم الأستاذة سهام بن مسعود عضو
بالودادية الحسنية للقضاة
أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تفشّي مرض “كوفيد-19” الناتج عن فيروس “كورونا” المستجد – الذي ظهر للمرة الأولى في ديسمبر2019 في مدينة ووهان الصينية انتشر الوباء عالميا
ونتج عنه تهديد للصحة العامة مما ادى إلى فرض قيود على بعض الحقوق، مثل تلك التي تنجم عن فرض الحجر الصحي أو العزل الذي يحدّ من حرية التنقل.
الشيء الذي اوجب سن مجموعة من القوانين والنظم على راسها مرسوم القانون الذي فرض الحجر الصحي بتاريخ 23مارس 2020 نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 24مارس 2020
مناقشة موضوع الحقوق والحريات التابث والمتغير يستوجب تعريف موجز لمفهومي الحرية والحق.
تعد فكره الحرية من أكثر المفاهيم غموضا وإبهاما في الفقه القانوني والسياسي لذلك ظهرت لها عدة مسميات وعدة مفاهيم للدلالة عليها. كما إن الدساتير في العالم تستخدم مفاهيم مختلفة أيضا. وتبعا لذلك نجد إن الحقوقيين والسياسيين أعطوا تعريفات كثيرة لمفهوم الحرية و نشير إلى البعض منها وبحسب وجهات نظر مختلفة حيث وردت عدة تعريفات لمفهوم الحرية أو معناها، أغلبها جاءت على لسان الحقوقيين، فعرفها لاسكي (بأنها انعدام القيود) أي بمعنى القدرة على اختيار الفرد لطريقة حياته الخاصة بدون أي ضغوط وتحريمات تفرض عليه من خارجه.
وعرفها فولتير: (عندما أقدر على ما أريد فهذه حريتي)، أما الفيلسوف ليبينز: (معنى الحرية بأنها عبارة عن قدرة المرء على فعل ما يريده).
عرفها السياسيون : بأنها تمكين الأفراد من معارضة الحكومة فيما تختص فيه من المجالات للحيلولة دون تمادي الحكام .
– وعرفتها بعض الدساتير والإعلانات العالمية : بأنها قدرة الإنسان على إتيان أي عمل لا يضر بالآخرين وان الحدود المفروضة على هذه الحرية لا يجوز فرضها إلا بالقانون وجاء هذا التعريف في الإعلان الصادر لحقوق الإنسان في فرنسا عام 1789.
لذلك تعد الحرية هي الأصل وما الحق إلا وسيلة لممارسة الحرية وبصورة منظمة لإدامتها وديمومتها ، ومن هذا فان الحرية هي حق الإنسان وقدرته على اختيار تصرفاته بنسبة ما وممارسة نشاطاته المختلفة دون عوائق مع مراعاة القيود المفروضة لمصلحة المجتمع ويتبين لنا من ذلك إن الإنسان هو محور الحقوق جميعا وان هذه الحقوق مرتبطة وجودها أو عدمه بوجود الإنسان أو عدمه ..
و حماية الحريات تعتبر احدى خصائص الديمقراطية المميزة لها ، سواء كانت حريات شخصية ام فكرية ام غيرها .
وبخصوص الحق فان كلمة الحق تربط مباشرة بكلمة القانون؛ والسبب في ذلك أن الحق لا يوجد ولا يُحمَى إلا إذا تضمنته قاعدة قانونية، وبالتالي فإن الحق هو النتيجة التي يرمي إليها القانون، فهناك العديد من القواعد القانونية التي توضح جميع الحقوق التي يكتسبها الفرد وكيفية الاستفادة منها بالإضافة إلى صيانتها وإثباتها.
إن جائحة كورونا أوجبت سن مجموعة من القوانين والنظم والتي من شانها المس ببعض الحقوق والحريات ومناقشة هذا الموضوع يكتسي أهمية نظرية تتمثل في القوانين الجديدة التي سنت ويكتسي أهمية عملية وتطبيقية تتمثل في كيفية تطبيق القوانين المنظمة للموضوع من طرف المحاكم
الهدف من دراسة الموضوع هو معرفة مدى تأثير القوانين والقرارات المتخذة من طرف السلطات
العمومية على بعض حقوق وحريات المواطنين.وسنقتصر على اهم الحريات والحقوق التي عرفت
قيود سنتطرق : لحرية التنقل والحق في المحاكمة العادلة السؤال الذي يطرح هل القوانين والنظم في ظل كورونا كوفيد 19 أثرت وقيدت بعض الحريات والحريات ما الثابت وما المتغير ؟
هنا يمكن طرح فرضيتين
الأولى:القوانين.والقرارات المتخذة من طرف السلطات والعمومية أثرت على بعض الحقوق والحريات
الثانية : القوانين أثرت على المحاكمة العادلة
لمناقشة الموضوع لا بد من التطرق للإطار القانوني لبعض الحريات ”التابث والمتغير “ والعمل القضائي أثناء جائحة كورونا القيود والإشكاليات
1-الإطار القانوني لبعض الحريات :”التابث والمتغير ”
أ)الإطار القانوني لحرية التنقل والحق في المحاكمة العادلة ” الثابت ”
• الإعلان العالمي لحقوق الانسان 10/12/1948
• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
• العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية
• الدستور :
• قانون الحريات العامة: القوانين التي تخص الحريات والحقوق الأساسية الواردة في الدستور ، وقانون تأسيس الجمعيات، وقانون التجمعات العمومية، وقانون التماس الإحسان العمومي، وقانون الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي.
حيث انه بالرجوع الى نص دستور 2011 في الفصل 24 نجده بنص على حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه والخروج منه والعودة إليه مضمونة للجميع وفق القانون
ونص الفصل 21 من الدستور على الحد من الحقوق والحريات مستند على الفصل 21 من الدستور تضمن السلطات الحكومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني
ونص الفصل 23من الدستور الفقرة الأخيرة منه الحق في محاكمة عادلة مضمون
تنظيم مقتضيات قانون المسطرة الجنائية والمسطرة المدنية للمحاكمة اثناء جميع مراحل التقاضي ابتدائيا واستئنافيا وأمام محكمة النقض ونسرد بعض فصول المسطرة المدنية :36 و50 و 334و 345 و372وو375و370
وبعض مواد قانون المسطرة الجنائية 286 و299و300و303و311و312و423و540و543و548
ب)- التشريع أثناء كورونا ”المتغير“:
• عرفت هذه الفترة صدور مرسوم قانون رقم 2.20.292بتاريخ 23/3/2020 سنت أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها
• ومرسوم رقم 2.20.293بالاعلان على حالة الطوارئ الصحية بسائر ارجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي كورونا كوفيد 19
• وصدور مجموعة من البلاغات عن وزارة الداخلية وزارة الصحة والبلاغات المشتركة مع باقي الوزرات
أهمها :
– بلاغ لوزارة الداخلية للمواطنات والمواطنين بشأن إعلان “حالة الطوارئ الصحية”
تقرر إعلان “حالة الطوارئ الصحية” وتقييد الحركة في البلاد ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس 2020 على الساعة السادسة مساء لأجل غير مسمى
– بلاغ لوزارة الداخلية للرأي العام الوطني يلزم ضرورة الحصول على رخص التنقل الاستثنائية الواجب الإدلاء بها لتبرير مغادرة مقرات السكن، و استخراج الوثيقة من الموقع الإلكتروني «http://covid19.interieur.gov.ma »، الذي خصصته لذلك وتخصصيه فقط للأشخاص البالغين سن الرشد القانونية .
وما يمكن استخلاصه هو كون التشريع المغربي أثناء فترة كورونا عرف إضافة جرائم جديدة المادة الرابعة من مرسوم 2.20.292الصادربتاريخ 23مارس يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها
– إجبارية الكمامات ابتداء من 07ابريل 2020ونص على العقوبات الواردة بالمادة الرابعة من مرسوم القانون المذكور أعلاه
• تم سن أحكام خاصة بخصوص إيقاف سريان الآجال القانوني المادة السادسة من مرسوم قانون 2.20.292ايقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل استثناء أجال الاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.
ثانيا : العمل القضائي أثناء كورونا ” المحكمة الابتدائية بمكناس نموذجا
سنتطرق للعمل القضائي في الميدان الجنحي والمدني الاستعجالي والقيود والإشكاليات
1)العمل القضائي:
• أ) في الميدان الجنحي
• عرفت الفترة مند بداية الحجر 24/3/2020 تاريخ نشر مرسوم القانون 2.20.292الصادربتاريخ 23مارس يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها إلى غاية 07يونيو 2020 متابعات النيابة العامة لعدة أشخاص لخرقهم لأحكام حالة الطوارئ الصحية وارتكابهم لجرائم أخرى وبلغ عدد القضايا المتعلقة بهذه الجنح حوالي 1330 قضية كانت المتابعات بشأنها إما بخصوص مقاومة تنفيذ أشغال أمرت بها السلطة العامة أو عدم التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بمناسبة الإعلان عن حالة الطوارئ أو عدم وضع الكمامة الواقية . وهي جرائم جديدة تمت إضافتها.
• وأصدرت المحكمة الابتدائية بمكناس بشأنها أحكام مختلفة وبرز فيها دور القاضي الاجتماعي والزجري للحفاظ على امن وسلامة المواطنين وزجر الأفعال التي من شانها المس بصحة المواطن فكانت هناك بعض الأحكام :
• قضت بالإدانة(ثلاثة أشهر حبسا نافذا ةغرامة نافذة 1000درهم مع الصائر والإجبار في الأدنى ملف عدد 968-2105-2020صدربتاريخ 6يونيو2020
• بينما كان مال بعض الملفات إحالة المعني بالأمر في حالة سراح على جلسة جنحي عادي ملف عدد 5883-2106-2020او إحالة المعني بالأمر في حالة سراح مقابل كفالة مالية قدرها 1000درهم .
ب) العمل القضائي في القضاء المدني الاستعجالي
• عرفت مؤسسة قاضي المستعجلات عرض مجموعة من القضايا في هاته الفترة والتي تكتسي طابعا مستعجلا وبرز فيها دور القاضي الاجتماعي وحرصه على صحة المواطن وتعليق تنفيذ بعض الأحكام المستعجلة الى ما بعد فترة الحجر الصحي نموذج الأمر الاستعجالي عدد 570/1101/2020 بتاريخ 30/4/2020قضى بإفراغ المدعى عليه هو ومن يقوم مقامه للاحتلال بلا سند وعلق مباشرة التنفيذ إلا بعد رفع حالة الحجر الصحي .
• وتدخله كذلك للاتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين نموذج الملف استعجالي عدد 579/1101/2020بتاريخ 08/6/2020أمرت المحكمة بالإذن للمكرية بفتح الشقة وإجراء الإصلاحات تحت إشراف مفوض قضائي الذي عليه انجاز محضر بوقائع التنفيذ وتعليق نسخة منه بباب الشقة
2)القيود والإشكاليات :
-أهم القيود التي عرفتها فترة الحجر الصحي هي تقييد حرية التنقل برخصة استثنائية مسلمة من عون السلطة
– إجبارية وضع الكمامة الواقية
ومن أهم الإشكاليات القانونية التي طرحت ولازالت تطرح والتي عرفها العمل القضائي تخص المحاكمات عن بعد
• أولها القناعة الصميم :
– فالقاضي الجنحي قاضي وجدان تتكون قناعته انطلاقا مما راج أمامه بالجلسة والتي تستوجب قانونا استدعاء المتهم وحضوره أمامه حتى يخلص في الأخير إلى إصدار حكم يتناسب مع الأفعال المرتكبة وشخصية المتهم وتفريد العقوبة فحكم القاضي يكون حسب الاقتناع الصميم طبقا لما نصت عليه المادة 286من قانون المسطرة الجنائية والسؤال الذي يطرح هل المحاكمة عن بعد تضمن ذلك ؟
ثانيها مبدأ الحضورية :
• عرف مبدأ الحضورية المنصوص عليه بالمادة 311و312و423من قانون المسطرة الجنائية قيدا خصوصا بالنسبة للمعتقلين فعقدت المحاكمات عن بعد السؤال الذي يطرح هل يمكن وصف الأحكام الصادرة عن بعد بحضورية وما أثارها على وصف الحكم وطرق الطعن ؟ للإشارة فقط أن المحكمة قبل الاستماع للمتهم وبعد التأكد من هويته أثناء المحاكمات عن بعد تسأله ودفاعه بقبولهما المحاكمة عن بعد أم لا في حالة القبول تتم المحاكمة عن بعد في حالة الرفض أثناء فترة الحجر تأخر الملف
• ثالثها :مبدأ العلنية
• من بين الإشكاليات التي عرفتها فترة الحجر الصحي ولئن كانت جلسات القضايا الجنحية التي تخص المعتقلين عرضت بقاعات المحاكم بشكل علني إلا أن توافد المواطنين على المحاكم وحضور الجلسات حدا في إطار التدابير الوقائية للحد من انتشار وباء كورونا هو ما يشكل مسا بمبدأ العلنية طبقا للمادة 300من قانون المسطرة الجنائية.
• في نظرنا وهو رأي نعبر عنه بصفتنا الجمعوية كعضو بالودادية الحسنية للقضاة ولا يلزم اية جهة وفي إطار ممارستنا لحرية التعبير المخولة للقضاة والمنصوص عليها في دستور 2011 في الفصل 111 .
• أن حرية الأفراد ثمينة واغلى ما يملك أي فرد في المجتمع لذلك فان المحاكمة عن بعد في القضايا الجنحية والجنائية لن تكون ناجعة ولن تعوض المحاكمة القانونية العادية الحضورية العلنية التي يحضرو يمثل فيها المتهم أمام القاضي ليكون هذا الأخير قناعته الصميم لذلك نقترح إذا كان المشرع سيعمل على تعميمها الاقتصار عليها في قضايا محددة مع منح القاضي سلطة تقديرية للأمر بالإحضار .
• وتجدر الإشارة إلى أن عدد الجلسات التي تم عقدها عن بعد من الفترة من 27ابريل 2020 الى 26يونيو2020حسب الإحصائيات التي نشرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية
• 2891جلسة عن بعد
• عدد المعتقلين المستفيدين 55594معتقلا
وفي الأخير يمكن الإجابة على الفرضيتن يمكن القول انطلاقا مما تم عرضه أعلاه أن جائحة كورونا حدت من حرية التنقل وقيد الحق في المحاكمة العادلة
• وفي الختام يمكن القول أن جائحة كورونا كوفيد 19 طرحت العديد من الإشكاليات القانونية على رأسها مدى قانونية اللجوء إلى المحاكمة عن بعد في غياب نص قانوني منظم لها والى أي مدى استطاع القاضي تطبيق القانون طبقا للفصل 117 من الدستور؟ .لذلك لابد من تدخل المشرع لملائمة القانون وسد مثل هذه الثغرات .