يوميات معلم في الصحراء / الحلقة الأولى.
*محمد صفا
في نفس التاريخ الذي اعلن فيه عن سريان وقف اطلاق النار بين المغرب والبوليساريو في الصحراء كنت شخصيا أدخل الى الصحراء عبر معبر جبال الوركزيز.
تم تعيني بقرية الزاك القريبة نسبيا لمخيمات تندوف مدرسا . ركبت الطاكسي من انزكان الى كلميم التي وصلتها مساء، اضطررت ان ابقى ساهرا في مقهى المحطة حتى الصباح لان عدد المسافرين الى الزاك وقتها لم يكتمل لينطلق سائق الطاكسي، كنا فقط اثنين ولم تكتمل المقاعد الاربعة الا في الصباح.
بعد رحلة متعبة وصلنا الى اسا عاصمة شرفاء قبيلة ايت اوسى ،بعدها اخترقت السيارة طريقا طويلا متعرجا عبر جبال الوركزيز .في مدخل الزاك استوقفنا الدرك، وكان على كل واحد تقديم بطاقته لتسجيل معلوماته في سجل خاص، قد يسألك الدركي عن غرضك من الزيارة ان لم يشاهدك من قبل، سلمته بطاقتي وقلت له اني مدرس جديد ، ابتسم في وجهي ورحب بي وزاد ان قال لي انه سيلتقي بي فيما بعد. لم اكن ادري مقصده ، لكن فيما بعد سأجد ان ابن هذا الدركي سيكون تلميذا لدي في الفصل .
كان الدرك مسلحا بالرشاش و احيانا يضطر الى تفتيش الامتعة اويجبر احد المسافرين على النزول. قيل لي انه قبل وقف اطلاق النار كانت الطاكسيات تسير في قافلات (كونفوا) محمية من طرف الجيش والدرك وليس بشكل يومي وانما وفق ايام تحدد في الدواىر الخاصة
على مشارف الزاك تظهر مساحة كبيرة محاطة بسور ، علمت في مابعد انه موقع لتوزيع الوقود .دخلت الزاك و في ساحة داىرية الشكل تحيط بها دكاكين صغيرة بجانب مقهى وقفت الطاكسي .نزلت ،اخدت حقيبتي وتوجهت مباشرة للمقهى حيت طلبت براد اتاي استرد به انفاسي. صاحب المقهى من حين لآخر يسترق نظرات نحوي ،بعدها اقترب الي ثم سألني بيقين اظنك استاذ جديد هنا ؟ ،فأجبته بالاجاب ،لذا جلس بجانبي ليكون اول من سيشرح لي مفتاح خريطة الزاگ. كان همي حينها ان اجد محلا للكراء فقط ،لذا كانت اسئلتي تسير في هذا الاتجاه. ولقد علمت من صاحبنا ان شرق الزاك يتكون من حي سكني قديم وهو المركز وساكنته من الاسر الصحراوية التي صمدت رغم نزوح الكثير ايام الحرب. وهناك ايضا اسر الجنود وبعض الموظفين القليلي العدد . وفي الجهة الغربية المطلة على شارع الزاك هناك بعض المنازل الجديدة الحديثة البناء لكن عددها قليل وثمنها اكثر من الاولى .
بعد ان شربت الشاي تركت امتعتي عند صاحب المقهى وخرجت اكتشف الزاك . وجدت الزاك قرية بلون طيني افقدته اشعة الشمس حمرته. تجولت في السوق ، تعرفت على موقع المدرسة التي ستستقبلني وسرت بين المنازل في الحي القديم ثم توجهت في مسار الشارع الذي يمتد تقريبا على مسافة كلمترين وعلى طوله محلات اغلبها مغلوقة ومقهيين وخلف هذا الشارع يوجد واد الزاك الذي ينبع منه عين ماءه عذب . و على الوادي تشىرف مجموعة من البيوتات البسيطة علمت فيما بعد انها لبائعات الهوى.
اما وسط الزاك فتجد مقر الجماعة والقيادة ومركز البريد والمسجد وفي الوسط ساحة .
بعدما تعبت من المشي كان علي ان اجلس وافكر في موضوع كراء محل. صاحب المقهى قال لي ان كنت ارغب في السكن بالحي القديم فهو لديه مفاتيح مجموعة من المنازل واما اذا كنت ارغب في السكن في دار جديدة عصرية فارشدني الى تاجر في السوق قال انه هو مالكها…
بعد تجادب داخلي ،قررت ان اذهب للتاجر بالسوق واطلب منه معاينة المحل. كنت ارغب في وسط نظيف وهادئ ومكان لاأحتك فيه بالسكان المحليين لأتجنب المشاكل، هكذا اعتقدت بداية.
رافقني صاحب الدار بعد ان اغلق متجره ، قطعنا الشارع وصعدنا الدرج الى المحل و في ممر اشار الى ثلاثة ابواب متقاربة وقال هذا المحل سكنته استاذة البارحة، جاءت هي وامها من وزان ولقد رحلتا هذا الصباح على امل ان تعود الاستاذة عند الدخول المدرسي ، اما المنزل الثاني فيسكنه جندي وزوجته. اما المحل الثالث فقد يكون من نصيبك ، فتح لي بابه ودخلت ، غرفتان صغيرتان ومطبخ وحمام صغير بدون ماء ولاكهرباء، لان الزاك كلها لا تتوفر عليهما. بالنسبة للماء قال لي صاحب المحل انه علي ان املأ برميلا كبيرا للنظافة و املأ براميل خاصة للشرب. اما كيف يتم التزود بالماء ،فاشار الي ان شخصا سيتكلف بذلك على اساس اكرامية شهرية له.
قررت كراء المحل ، رغم ان مبلغ الكراء 600درهم لن استطيع تحمله بمفردي على المدى البعيد .
تسلمت مفتاح المحل وعدت للمقهى لآخد امتعتي وأكل شيئا . وانا اتناول الغداء ،فجأة قررت ان أبيت في الزاك ليلتها وياليتني مافعلت . فقبل السفر اليها وضعت مخططا على اسافر فقط لأستكشف المكان واحصل إن أمكن على محل للكراء ثم العودة في نفس اليوم الى اكادير و بعدها احضر نفسي وأهيئ كل الحاجيات الضرورية للمقام في الزاك حين موعد الدخول المدرسي.
لم استطع ليلتها ان يغمض لي جفن لعدة اسباب منها، انه لم اكن اتوفر على فراش ولاغطاء والكاشة الوحيدة التي لدي سلمها لي صاحب المقهى لم تكفيني لان بردا فضيعا كان يلف المكان رغم اننا كنا في غرة الصيف، صمت رهيب وظلام وفراغ مخيف ، اجبرني ان اظل في مكاني ولاغادره ، كانت السجائر التي انفثها في الغرفة وضوء الشمعة مايجعل جسمي يحس بالحرارة. لم تكن انذاك الهواتف المحمولة متوفرة وحتى الراديو الصغير الذي اخدته معي لم يستطع التقاط اية موجة .
مع اشراقة الصباح الاولى جمعت حالي وخرجت الى المحطة وكل تفكيري ان اعود لاكادير.
يتبع …